بعد خفض تصنيفها... قنبلة ديون الولايات المتحدة تفاقم مخاوف المستثمرين

أدى خفض التصنيف السيادي للولايات المتحدة من قبل وكالة «موديز» إلى تفاقم مخاوف المستثمرين بشأن قنبلة الديون الموقوتة التي تلوح في الأفق، وقد تدفع مراقبي سوق السندات إلى مزيد من ضبط النفس المالي من واشنطن.
وكانت وكالة التصنيف الائتماني قد خفضت التصنيف السيادي الأميركي بدرجة واحدة يوم الجمعة، وهي آخر وكالة من وكالات التصنيف الرئيسية التي خفضت تصنيفها الائتماني للبلاد، مشيرة إلى مخاوف بشأن تنامي ديون البلاد البالغة 36 تريليون دولار.
جاءت هذه الخطوة في وقت يسعى فيه الجمهوريون الذين يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ إلى الموافقة على حزمة شاملة من التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق وتخفيضات في شبكات الأمان، التي قد تضيف تريليونات إلى كومة الديون الأميركية. وتثير حالة عدم اليقين بشأن الشكل النهائي لما يُسمى «مشروع القانون الجميل الكبير» قلق المستثمرين حتى مع ظهور تفاؤل بشأن التجارة، فقد فشل مشروع القانون في تخطي عقبة رئيسية، يوم الجمعة، حتى في الوقت الذي دعا فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الوحدة حول التشريع.
وقالت كارول شليف، كبيرة استراتيجيي السوق لدى «بي إم أو برايفت ويلث»: «تراقب سوق السندات ما يحدث في واشنطن هذا العام على وجه الخصوص»، وقالت إن خفض «موديز» لتصنيفها الائتماني قد يجعل المستثمرين أكثر حذراً. وأضافت: «بينما يناقش الكونغرس مشروع القانون (الكبير والجميل)، فإن حراس السندات سيراقبون بشدة لجعلهم يلتزمون بخط المسؤولية المالية»، في إشارة إلى مستثمري السندات الذين يعاقبون السياسة السيئة بجعلها باهظة التكلفة على الحكومات للاقتراض، وفق «رويترز».
وقال سبنسر هاكيميان، مؤسس شركة «تولو كابيتال مانجمنت»، في نيويورك، إن خفض «موديز» للتصنيف الائتماني، الذي يأتي بعد خطوات مماثلة من وكالة «فيتش» في عام 2023، و«ستاندرد آند بورز» في عام 2011: «سيؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للقطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة».
ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤدي خفض التصنيف الائتماني إلى عمليات بيع إجبارية من الصناديق التي لا يمكنها الاستثمار إلا في الأوراق المالية ذات التصنيف الأعلى، كما قال جينادي غولدبيرغ، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في شركة «تي دي سيكيوريتيز»؛ حيث إن معظم الصناديق قامت بمراجعة المبادئ التوجيهية بعد خفض التصنيف الائتماني من قبل «ستاندرد آند بورز».
أضاف غولدبيرغ: «لكننا نتوقع أن يعيد ذلك تركيز اهتمام السوق على السياسة المالية ومشروع القانون الذي يجري التفاوض عليه حالياً في الكونغرس».
التركيز على مشروع القانون
قال سكوت كليمونز، كبير استراتيجيي الاستثمار في «براون براذرز هاريمان»، إن أحد الأسئلة المطروحة هو مدى المعارضة التي ستحدث في الكونغرس حول ما إذا كان يتم التضحية بالمبادئ المالية، مضيفاً أن مشروع القانون الذي يُظهر إسرافاً في الإنفاق قد يكون مثبطاً لزيادة الانكشاف على سندات الخزانة طويلة الأجل.
وتقدر اللجنة من أجل موازنة فيدرالية مسؤولة، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية، أن يضيف مشروع القانون ما يقرب من 3.3 تريليون دولار إلى ديون البلاد بحلول عام 2034 أو نحو 5.2 تريليون دولار إذا مدَّد صناع السياسة الأحكام المؤقتة. وقالت: «موديز»، يوم الجمعة، إن الإدارات المتعاقبة فشلت في عكس اتجاه ارتفاع العجز المالي وتكاليف الفائدة المرتفعة، ولا تعتقد أن التخفيضات المادية في العجز ستنتج عن المقترحات المالية قيد النظر.
ويظهر القلق في تسعير السوق. وفي هذا الإطار، قال أنتوني وودسايد، رئيس استراتيجية الدخل الثابت في شركة «ليغال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت أميركا» إن الزيادة الأخيرة في علاوة أجل سندات الخزانة لأجل 10 سنوات - وهي مقياس للعائد الذي يطلبه المستثمرون مقابل مخاطر الاحتفاظ بالديون طويلة الأجل - هي في جزء منها علامة على القلق المالي الكامن في السوق. وبحسب وودسايد، فإن السوق «لا تولي الكثير من المصداقية» لخفض العجز بشكل جوهري.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن الإدارة تركز على احتواء عوائد السندات القياسية لأجل 10 سنوات. ويقل العائد، الذي شوهد آخر مرة عند 4.44 في المائة، بنحو 17 نقطة أساس عما كان عليه قبل تولي ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني).
وقال غاريت ميلسون، استراتيجي المحافظ لدى شركة «ناتكسيس إنفستمنت مانجرز سوليوشنز»: «بالتأكيد يمكن أن ترى رد فعل في العوائد على زيادة كبيرة جداً في العجز في وقت نعاني فيه بالفعل من عجز كبير جداً».
ورفض متحدث باسم البيت الأبيض المخاوف بشأن مشروع القانون. وقال هاريسون فيلدز، المساعد الخاص للرئيس والنائب الرئيسي للسكرتير الصحافي للرئيس، في بيان: «الخبراء مخطئون، تماماً كما كانوا مخطئين بشأن تأثير تعريفات ترمب الجمركية، التي أثمرت استثمارات بالتريليونات، ونمواً قياسياً في الوظائف، وعدم وجود تضخم».
ووصف البيت الأبيض خفض وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني بأنه سياسي. وردّ مدير الاتصالات في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ على هذه الخطوة، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الجمعة، وخصّ بالذكر الخبير الاقتصادي في وكالة «موديز»، مارك زاندي، واصفاً إياه بأنه معارض سياسي لترمب. ورفض زاندي، وهو كبير الاقتصاديين في وكالة «موديز أناليتيكس»، وهي كيان منفصل عن وكالة التصنيف، التعليق على الأمر.
Mark Zandi, the economist for Moody’s, is an Obama advisor and Clinton donor who has been a Never Trumper since 2016. Nobody takes his “analysis” seriously. He has been proven wrong time and time again. https://t.co/l1dUFM5BRY
— Steven Cheung (@StevenCheung47) May 16, 2025
يعتقد البعض في السوق أن التوقعات المالية ستتحسن مع حزمة الضرائب مقارنة بالتوقعات السابقة، بسبب عائدات الرسوم الجمركية وتعويضات الإنفاق. ويقدر بنك باركليز الآن أن تكلفة مشروع القانون ستزيد من العجز بمقدار تريليوني دولار على مدى السنوات العشر المقبلة مقارنة بالتوقعات التي كانت تبلغ نحو 3.8 تريليون دولار قبل تولي ترمب منصبه.
تاريخ x
كما يتزايد الخطر مع اقتراب المواعيد النهائية الرئيسية. فقد قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إنه يريد أن يمرر مجلسه مشروع القانون قبل عطلة يوم الذكرى الأميركية في 26 مايو (أيار)، في حين حث بيسنت المشرعين على رفع حد ديون الحكومة الفيدرالية بحلول منتصف يوليو (تموز).
وقد وصلت الحكومة الأميركية إلى حد الاقتراض القانوني في يناير (كانون الثاني)، وبدأت في استخدام «تدابير استثنائية» لمنعها من خرق الحد الأقصى. وقد أشار بيسنت إلى أن الحكومة قد تصل إلى ما يسمى «التاريخ - X» وهو التاريخ الذي ينفد فيه رصيدها النقدي اللازم للوفاء بجميع التزاماتها - بحلول شهر أغسطس (آب).
وبدأ قلق المستثمرين بشأن حد الدين في الظهور. فمتوسط العائد على سندات الخزانة المستحقة في أغسطس أعلى من العائد على السندات ذات آجال الاستحقاق المجاورة.
وفي حين أن هناك اتفاقاً واسع النطاق داخل الحزب الجمهوري على تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب لعام 2017، فإن هناك انقساماً حول كيفية تحقيق تخفيضات في الإنفاق من شأنها أن تساعد في تعويض خسارة الإيرادات.
مجال المناورة محدود
إن مجال المناورة بشأن تخفيضات الإنفاق محدود. فالإنفاق الإلزامي، بما في ذلك الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية التي تعهد ترمب بعدم المساس بها، شكل الغالبية العظمى من إجمالي الإنفاق في الموازنة، العام الماضي.
وقال مايكل زيزاس، الخبير الاستراتيجي في «مورغان ستانلي»، في مذكرة نُشرت الأسبوع الماضي، إن حزمة مالية قابلة للتطبيق سياسياً ستؤدي على الأرجح إلى عجز أكبر على المدى القريب، وفي الوقت نفسه لن توفر دفعة مالية ذات مغزى للاقتصاد.
وقالت آن والش، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة «إدارة استثمارات غوغنهايم بارتنرز»، إنه من دون عملية حقيقية في واشنطن تهدف إلى إعادة ضبط مستويات الإنفاق بشكل كبير، فمن غير المرجح حدوث تحسُّن ملموس في المسار المالي الأميركي. وأضافت: «هذا مسار غير مستدام نسير فيه».
aawsat.com