نزوح وآلام.. معاناة مرضى الفشل الكلوي في السودان

وكانت منظمة الصحة العالمية قد نبهت بعد مرور ستة أشهر من بداية النزاع إلى "أن النظام الصحي في السودان قد وصل إلى نقطة الانهيار"، وأشارت المنظمة في تقرير آخر لها إلى أن خمسة عشر مليون شخص يفتقرون إلى الرعاية الصحية في السودان، وأن ثمانين في المئة من المرافق الصحية في الولايات المتضررة جراء النزاع قد توقفت عن العمل بسبب الحرب الجارية.

وكان وزير الصحة الاتحادي المكلف د. هيثم إبراهيم قد أعلن، أمس الأول، أن حجم الدمار والتخريب بالقطاع الصحي في السودان يقدر بـ(11) مليار دولار. وقال إن المستشفيات قد طالها التخريب ونهب الأجهزة والمعدات الطبية خلال الحرب، مبينًا أن هناك بعض المستشفيات مثل مستشفى الحصاحيصا ومستشفيات دارفور قد "دمرت كليًا"، وفق ما نقلت وكالة السودان للأنباء. وأطلقت الوزارة حملة لجمع التبرعات لإعادة إعمار المستشفيات التي دمرتها الحرب في السودان.

نزوح وآلام

"لا بد أن يكون هناك تسهيلات.. مريض الفشل الكلوي لا يتحمل"، هكذا عبّر مريض فشل الكلى المزمن (ن.ع) عن صعوبة الرحلة، وقلة الحيلة، وثقل الهم الذي ألقي على كاهل مرضى فشل الكلى في ظل الحرب.

منذ اندلاع الاشتباكات في السودان واجه مرضى الكلى بشكل خاص مخاطر جمة أودت بأرواح العديد منهم، وقال تقرير تقرير نشرته مكاتب التحالف النسوي في إقليم دارفور، في حزيران/يونيو من العام الماضي، إن جميع مرضى الكلى في مدينة الجنينة قد توفوا. وكانت مدينة الجنينة تشهد وقتها ما يرقى للإبادة الجماعية على يد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، وفق ما نقلت تقارير أممية ودولية.

يحكي (ن.ع) لـ"ألترا سودان" رحلته مع المرض والحرب، كعاملين صارا جزءًا أصيلًا من حياته وهمومه اليومية. يقول إنه كان مقيمًا في الخرطوم عندما تم تشخيصه بالفشل الكلوى المزمن، مما ترتب على ذلك ضرورة إجراء عملية الغسيل الكلوي بشكل دوري ومنتظم طيلة حياته، ومع اندلاع حرب أبريل وتصاعد الاشتباكات في الخرطوم، أجبر هذا المريض على النزوح لمدينة مدني في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، حتى يتمكن من متابعة العلاج.

ظن كثير من السودانيين أن الحرب ستنتهي قريبًا، وسيستطيعون الرجوع إلى منازلهم وحياتهم السابقة، ولذلك لجأوا إلى مدنى المجاورة للخرطوم وكأنهم يحتفظون بمسافة قريبة من منازلهم للعودة متى ما توقفت الحرب. إلا أنه سرعان ما لحقت الحرب بهم في ولاية الجزيرة إثر سيطرة قوات الدعم السريع على عاصمتها مدني منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، مما أدى الى حدوث موجة نزوح كبيرة للنازحين مسبقًا وسكان الولاية إلى المدن الآمنة. وهكذا أجبر (ن.ع) مرة أخرى على النزوح إلى ولاية كسلا شرق البلاد، ليظل ينزح  بين المدن في متاهة تبدو لا نهائية للبحث عن مكان آمن ومستشفى يقدم جلسات غسيل الكلى.

مريض كلى لـ"الترا سودان": الغلاء الشديد في أسعار إيجارات السكن في كسلا يضطر العديد من المرضى البقاء في مراكز إيواء النازحين

في حديثه لـ"الترا سودان" وصف (ن.ع) العقبات التي تواجهه في هذه الرحلة، وذكر أن صعوبة الحصول على السكن والمياه تصدرت قائمة التحديات التي جعلت حياته كمريض فشل كلوي صعبة للغاية، حيث تعثر في الحصول على سكن مناسب في كسلا بسبب الأعداد الكبيرة للنازحين، مما جعله أمام خيارات مرهقة مثل السكن في "لوكندة" مكتظة، هذا بالإضافة إلى تكرار انقطاع المياه لعدة أيام في الحي الذي يعيش فيه في مدينة كسلا. يقول: "الغلاء الشديد في أسعار إيجارات السكن في كسلا يضطر العديد من المرضى البقاء في مراكز إيواء النازحين، كما يجد العديد منهم صعوبة حتى في الوصول إلى مركز الغسيل بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف المواصلات".

المرضى العالقون في مناطق الاشتباكات محكوم عليهم بالموت إلى حد كبير، لأن معظم المراكز الصحية تكون متوقفة جراء الاقتتال، وحتى التي تعمل منها تواجه أزمات شح الدواء ونقص الكادر، بجانب انعدام الممرات الآمنة والعشوائية التي اتسمت بها الحرب منذ اندلاعها، ما يجعل التحرك حتى لتلقي العلاج مخاطرة عظيمة. ولكن النازحين من المرضى ليسوا بمعزل عن هذه المخاطر، ففي ظل انعدام مصادر الدخل وحتى المأوى والمشرب، يصبح المرض عبئًا إضافيًا يزيد من مشقة النزوح.

واشتكت لجان مقاومة رفاعة في ولاية الجزيرة، في اليومين الماضيين، من النقص الحاد في الأدوية واحتياجات مستشفى الكلى، وأوضحت أنه يعمل الآن بمعدل ثلاثة أيام فقط في الأسوع. وشددت اللجان على أن المستشفى أصبح مهددًا بالتوقف التام عن العمل إذا لم خلال هذا الأسبوع توفير الاحتياجات الطبية، والمستلزمات الفنية والتقنية لتشغيل الأجهزة الطبية والكوادر البشرية لتشغيل المستشفى.

فيما يسرد (ن.ع) العقبات التي تواجه انتظام العلاج في مركز غسيل الكلى بمدينة كسلا قائلًا: "إن أعداد المرضى كبيرة للغاية، والماكينات المتوفرة لا تكفي والإمدادات تتأخر". يوذكر أيضًا أنه بسبب انقطاع الإمدادات الطبية اللازمة لجلسات الغسيل، عادة ما يتم إيقاف الجلسات العلاجية الدورية واستقبال حالات الطوارئ فقط، ما يجعل المرضى عرضة لمضاعفات صحية خطيرة.

 مركز غسيل الكلى بكسلا

أحد مقدمي الخدمة الطبية بمركز غسيل الكلى في كسلا، والذي حجب اسمه لأنه غير مخول له التصريح للإعلام، وصف الوضع بأنه "كارثي جدًا جدًا" بالنسبة لمرضى الفشل الكلوي في ظل الحرب. وشرح في إفادته لـ"الترا سودان" العقبات والتحديات التي تواجه المركز وتعرقل سير عمله، حيث قال إن مركز الكلى في كسلا يقوم يوميًا بما يقارب ستين جلسة غسيل خلال (20) إلى (22) ساعة مستمرة في اليوم، بعدد (12) ماكينة غسيل، مما يعرض الماكينات للإهلاك السريع وتصبح أكثر عرضة للأعطال".

وذكر أن عدد المرضى الذين يتابعون عمل جلسات غسيل الكلى بانتظام بالمركز بلغ (300) مريض فشل كلوي مزمن، وقال إن ما يزيد عن نصف المترددين هم من النازحين إلى ولاية كسلا".

ويستقبل مركز الكلى في كسلا أيضًا المرضى المحولين من المستشفى لإجراء عمليات الغسيل الطارئة، مما يقوض قدرة المركز على تغطية حاجة المرضى المتابعين المنتظمين، ويضطر المركز لعمل معالجات عبر تقليل عدد الجلسات الأسبوعية للمرضى.