صحة الفم... مفتاح لصناعة الرياضيين الأبطال

في زمن أصبحت فيه أدق التفاصيل تحدد مصير الرياضيين المحترفين، كشفت دراسة بريطانية حديثة عن جانب طبي مهم طالما ظل مهمشاً رغم تأثيره العميق على الأداء البدني؛ هو صحة الفم.
دراسة بريطانية
الدراسة التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية «British Medical Journal» في أبريل (نيسان) 2025، بإشراف الدكتور سول كونفيسر من معهد إيستمان في جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن (UCL)، شملت 160 لاعباً ولاعبة تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً في عشر أكاديميات تابعة للدوري الإنجليزي الممتاز ودوري البطولة والدوري النسائي الممتاز.
نتائج مقلقة
النتائج كانت مقلقة: أكثر من 75 في المائة من اللاعبين يعانون من التهاب اللثة، و22.5 في المائة مصابون بأمراض لثوية متقدمة لا يمكن عكسها، بالإضافة إلى أن نحو ثلث المشاركين بحاجة لعلاج تسوس الأسنان.
صحة الفم: رفاهية أم ضرورة حيوية؟
في بيئة رياضية تعتمد على دقة الأداء وسرعة الاستجابة، يمكن لآلام الفم أن تكون عاملاً معيقاً خطيراً. ويقلل الألم المزمن في الأسنان أو اللثة من التركيز، ويضعف جودة النوم، ويؤثر على الشهية وسلوكيات التغذية، وكلها تؤدي إلى انخفاض مستويات الطاقة وإبطاء التعافي بعد الجهد البدني.
وأظهرت الدراسة أن بعض اللاعبين اضطروا للغياب عن التدريبات بسبب التهابات أو خراجات فموية، بينما عانى آخرون من نزيف لثوي أو صعوبة في مضغ الطعام، ما انعكس سلباً على أدائهم البدني والنفسي.
روابط فسيولوجية: تأثير الفم على القلب والعضلات
العلاقة بين صحة الفم وصحة الجسم العامة مثبتة طبياً. إذ إن الالتهابات المزمنة في الفم تطلق جزيئات التهابية إلى مجرى الدم، ما يزيد من مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، ويضعف مناعة الجسم، مما يفسر كثرة الإصابات العضلية وتأخر التعافي لدى بعض الرياضيين.
كما ترتبط مشاكل الأسنان باضطرابات في الهضم بسبب سوء المضغ، وحالات ارتجاع حمضي قد تضعف مينا الأسنان. ولا يمكن تجاهل العامل النفسي، إذ يؤدي الضغط النفسي إلى صرير الأسنان ليلاً أو الإفراط في تناول مشروبات الطاقة المحلاة بالسكر.
غياب الوعي الطبي والفجوة في البروتوكولات الرياضية
رغم توافر الدعم الطبي في الأندية الإنجليزية، أظهرت الدراسة أن نسبة كبيرة من اللاعبين لا يزورون طبيب الأسنان إلا عند ظهور الألم أو في بداية الموسم. أما الفحوصات الدورية الوقائية فتكاد تكون غائبة. وأفاد 76 في المائة فقط من المشاركين بأنهم ينظفون أسنانهم مرتين يومياً، وهي نسبة أقل من المتوسط الوطني.
هذا الواقع يكشف عن فجوة حقيقية في البرامج الطبية للأندية، خصوصاً أن فريق البحث ذاته أشار عام 2016 إلى أن صحة الفم لدى اللاعبين المحترفين أسوأ بنسبة 10 في المائة مقارنة بغير الرياضيين.
نحو تأسيس «طب أسنان رياضي»
يوصي الباحثون بدمج العناية بصحة الفم ضمن منظومة الرعاية الطبية بالأندية الرياضية، مع تدريب الطواقم الطبية على اكتشاف المشكلات الفموية مبكراً، تماماً كما تتم مراقبة الإجهاد العضلي أو سوء التغذية.
وتضمنت التوصيات إجراءات وقائية بسيطة مثل المضمضة بعد تناول المشروبات السكرية، واستخدام معاجين أسنان مصممة خصيصاً للرياضيين، وتقديم برامج تثقيفية لتعزيز وعي اللاعبين بأهمية العناية الفموية.
العناية تبدأ من الفم
الطريق نحو النجاح الرياضي لا يمر فقط عبر التمارين البدنية أو التكتيكات الفنية، بل يبدأ أحياناً من أبسط العيادات الطبية: عيادة طبيب الأسنان، فصحة الفم ليست مجرد جانب جمالي، بل هي جزء لا يتجزأ من اللياقة الشاملة، وعامل حاسم لاستدامة الأداء الرياضي في أعلى مستوياته.
aawsat.com