خبر ⁄صحة

غرسات مطبوعة تصنع داخل الجسم لإيصال الأدوية بدقة

غرسات مطبوعة تصنع داخل الجسم لإيصال الأدوية بدقة

شهدت تقنيات الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، ما أتاح تصنيع غرسات طبية وهياكل أنسجة مخصصة بدقة عالية. ويُعزى هذا التقدم إلى تطور الأحبار الحيوية وأنظمة الطباعة المعتمدة على الضوء، ما وسّع نطاق استخدام التقنية في مجالات مثل الطب التجديدي وتوصيل الأدوية.

هياكل بأحبار حيوية

ومع ذلك، لا تزال الحاجة إلى تدخل جراحي لزرع هذه الهياكل تحدّ من الاستفادة الكاملة منها، خصوصاً في الحالات التي تتطلب تدخلاً سريعاً أو في مناطق يصعب الوصول إليها جراحياً. لذا برزت أهمية تقنيات الطباعة الحيوية داخل الجسم الحي (in vivo)، التي تتيح بناء الهياكل الحيوية مباشرة في موقع الإصابة، دون الحاجة إلى جراحة.

إلا أن الأساليب السابقة التي اعتمدت على الضوء تحت الأحمر القريب كانت محدودة بسبب ضعف قدرتها على اختراق الأنسجة، ما قصر استخدامها على الأنسجة السطحية فقط.

في المقابل، تُمثل الموجات فوق الصوتية بديلاً واعداً بفضل قدرتها العالية على اختراق الأنسجة العميقة وتوفير توجيه لحظي دقيق. لكن التحديات المرتبطة بتطوير أحبار حيوية متعددة الوظائف وآمنة للاستخدام البشري، إلى جانب أنظمة طباعة دقيقة وسريعة، ظلّت تشكّل عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف.

واستجابةً لهذه التحديات، طوّر فريق بحثي من «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» تقنية ثورية تتيح الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد داخل الجسم باستخدام الموجات فوق الصوتية، في خطوة تمهد الطريق لعلاجات داخل الأعضاء العميقة دون أي تدخل جراحي.

وتعتمد التقنية الجديدة على استخدام أحبار حيوية متقدمة تُحقن داخل الجسم وتستجيب للموجات فوق الصوتية، فتصبح صلبة مباشرة في المكان المطلوب، ما يسمح بإنشاء غرسات طبية أو توصيل أدوية بدقة داخل الأنسجة العميقة، ونُشرت نتائج الدراسة في عدد 8 مايو (أيار) 2025 من دورية «Science».

كشفت نتائج الدراسة أن التقنية الجديدة تتيح إنشاء غرسات أو مواد علاجية مباشرة داخل الجسم، دون الحاجة إلى أي تدخل جراحي تقليدي. وتعتمد هذه التقنية المبتكرة على التوجيه الدقيق بالموجات فوق الصوتية، إلى جانب استخدام حبر حيوي ذكي يستجيب للحرارة، ما يجعلها بديلاً واعداً للطباعة الحيوية التقليدية.

غرسات حسب الطلب

في البداية، يُحضِّر الباحثون حبراً حيوياً متطوراً يُعرف باسم «US-ink»، يتكوّن من مزيج من البوليمرات الحيوية المتوافقة مع الجسم، وعوامل تباين لتسهيل التصوير، وكبسولات دقيقة تُعرف بـ«الليزوزومات»، تحتوي على مواد فعالة تُطلق عند التسخين.

ويُعد هذا الحبر قابلاً للتخصيص حسب الحاجة الطبية، سواء لتوصيل الأدوية موضعياً أو لدعم الأنسجة التالفة، وفقاً للباحثين.

يُحقن هذا الحبر داخل الجسم إما باستخدام إبرة مباشرة أو عبر قسطرة للوصول إلى الأنسجة العميقة دون جراحة، ثم تُوجَّه الموجات فوق الصوتية بدقة نحو موقع الحقن وفق تصميم رقمي ثلاثي الأبعاد يحدد شكل وموقع الزرعة المطلوبة.

وعند تسليط موجات صوتية مركزة على المنطقة المستهدفة، يرتفع موضعياً مستوى الحرارة بدرجة طفيفة فوق حرارة الجسم الطبيعية، ما يؤدي إلى انفجار الكبسولات الدقيقة داخل الحبر الحيوي، وإطلاق المادة التفعيلية التي تتسبب في تصلب الحبر وتكوّنه في صورة هلامية داخل الأنسجة، مُشكّلة بذلك الغرسة أو المادة العلاجية المطلوبة.

ووفق الدراسة، اختبر الباحثون التقنية على نماذج حيوانية، حيث نجحوا في طباعة زراعات دوائية داخل عضلات الأرانب وبالقرب من خلايا سرطانية في مثانة الفئران. وأظهرت اختبارات التوافق البيولوجي أن الجسم تخلص خلال أسبوع من بقايا الحبر غير المستخدمة، دون ظهور أي علامات للالتهاب أو التلف النسيجي. كما تسمح المكونات المضافة إلى الحبر الحيوي بتتبّع الزرعة وتصويرها لاحقاً، وهذا يعزز من قدرة الأطباء على مراقبة الحالة الصحية بدقة بعد الإجراء.

وحسب الدراسة، فإن التقنية الجديدة تمتاز بإمكانية تخصيص الأحبار الحيوية بما يلبي متطلبات كل حالة طبية، سواء لتوصيل الأدوية، أو ترميم الأنسجة، أو إنشاء هياكل داعمة داخل الجسم. ورغم أن التقنية لا تزال في مراحلها التجريبية، يرى الباحثون أنها قد تُحدث تحولاً كبيراً في ممارسات الطب الحديث، من خلال تقديم وسائل علاج دقيقة وآمنة، خالية من الألم والجراحة.

وأشار الفريق البحثي إلى أن هذه التكنولوجيا لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات قبل دخولها حيز التطبيق الإكلينيكي، لكنها تقدم رؤية طموحة لكيفية تسخير الموجات الصوتية والمواد الحيوية لتحسين رعاية المرضى بأقل تدخل ممكن.

aawsat.com