خبر ⁄صحة

العلاجات الجينية تقدم أملا جديدا للمصابين بـداء البول القيقبي

العلاجات الجينية تقدم أملا جديدا للمصابين بـداء البول القيقبي

في دراسة بارزة كشف باحثون من كلية الطب بجامعة ماساتشوستس في الولايات المتحدة، عن علاج جيني رائد بإمكانه تغيير حياة المتأثرين بمرض شراب القيقب في البول (داء البول القيقبي)؛ وهو اضطراب وراثي نادر يهدد الحياة. ويعمل العلاج، الذي جرى اختباره بنجاح على الفئران والعجول، على تصحيح الطفرات الجينية الأساسية المسؤولة عن المرض، ما يوفر الأمل في علاج دائم وبديل للقيود الغذائية مدى الحياة أو عمليات زرع الكبد.

داء البول القيقبي

وقد سُمي هذا الداء بـ«مرض شراب القيقب في البول Maple Syrup Urine Disease (MSUD)» نسبةً إلى الرائحة الحلوة المميزة للحالة. (وشراب القيقب أو شراب الاسفندان هو شراب يُصنع عادةً من نسغ الأوعية الخشبية لأشجار القيقب السكري).

ويؤثر المرض على ما يقرب من 1 من كل 197714 ولادة حية على مستوى العالم. ومع ذلك يرتفع معدل انتشاره إلى 1 من كل 400 داخل المجتمعات المغلقة مثل سكان المينونايت Mennonite population في بنسلفانيا (أصلهم من شمال أميركا الوسطى).

طفرات جينية وتلف دماغي

وينشأ هذا الاضطراب من طفرات في جينات BCKDHA أو BCKDHB أو DBT، التي تعطل قدرة الجسم على تكسير الأحماض الأمينية المتفرعة السلسلة (الليوسين والإيزوليوسين والفالين).

ويؤدي هذا إلى تراكمات سامة في الدم، مما يسبب تلفاً دماغياً لا رجعةَ فيه وأزمات أيضية، وغالباً الموت المبكر. وتقتصر العلاجات الحالية على أنظمة غذائية صارمة منخفضة البروتين مدى الحياة أو عمليات زرع الكبد المحفوفة بالمخاطر، وهي خيارات غير مستدامة ولا يمكن الوصول إليها عالمياً.

العلم وراء الاختراق

بقيادة الدكتور دان وانج، الباحث الرئيسي من قسم الطب الوراثي والخلوي بكلية الطب في جامعة ماساتشوستس وآخرين، طوَّر فريق البحث في الدراسة التي نُشرت بمجلة «Science Translational Medicine» في 26 فبراير (شباط) الماضي، علاجاً جينياً مزدوج الوظيفة باستخدام ناقل فيروس الغدة الدرقية المرتبط بالنمط المصلي 9 (AAV9). ويقوم هذا الفيروس المهندَس جينياً بتسليم نُسخ وظيفية من الجينات مباشرة إلى الكبد والعضلات والقلب والدماغ؛ بهدف استبدال الجينات المَعيبة. ومن المثير للدهشة أن جرعة واحدة من العلاج أعادت التعبير الجيني المنسق، واستقرت المؤشرات الحيوية وأعادت النمو إلى طبيعته في نماذج الحيوانات.

وأوضح الدكتور دان وانج أن نموذج العجول كان واضحاً بشكل خاص، وقال إن مؤشرات العجول المرضى الأيضية تعكس مؤشرات المرضى من البشر، ما يجعل استجابتها للعلاج مؤشراً قوياً للنجاح السريري. وفي العجول التي تعاني مرض شراب القيقب في البول غير المعالَجة، يكون تطور المرض سريعاً ومميتاً. ومع ذلك فإن العجول التي تلقّت العلاج الجيني لم تنجُ فحسب، بل ازدهرت حياتها ولم تظهر أي علامات على التدهور العصبي أو الأيضي، حتى مع نضوجها.

ما وراء إدارة النظام الغذائي؟

لعقودٍ من الزمان كانت إدارة مرض شراب القيقب في البول تعتمد على التحكم الغذائي الدقيق لتجنب الأحماض الأمينية التي لا يستطيع الجسم معالجتها. وعلى الرغم من فاعلية هذا النهج عند اتباعه بدقة، فإنه يفرض عبئاً هائلاً على المرضى والأُسر؛ إذ إن أي انحرافات بسيطة يمكن أن تؤدي إلى أزمات صحية كارثية، كما أن عمليات زرع الكبد، على الرغم من كونها علاجية، تحمل مخاطر كبيرة وتعتمد على توفر المتبرع. ويتجنب العلاج الجيني الجديد هذه التحديات تماماً، فمن خلال معالجة السبب الجيني الجذري فإنه يلغي الحاجة إلى اليقظة المستمرة ويقدم تدخلاً لمرة واحدة مع تأثيرات طويلة الأمد. وأكد الدكتور شتراوس، المشارك بالدراسة، أن هذا العلاج يمكن أن يحرِّر المرضى من الدورة المستمرة من إدارة النظام الغذائي والخوف.

المسار نحو التجارب البشرية

وبفضل النتائج التي توصّل إليها، يتعاون الفريق، الآن، مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لإطلاق التجارب السريرية للمرحلتين الأولى والثانية. وستقيِّم هذه التجارب سلامة العلاج وفاعليته لدى البشر، وهي خطوة حاسمة نحو الموافقة التنظيمية. فإذا نجح في ذلك، فإنه قد يصبح أول علاج جيني معتمَد للمرض، مما يشكل سابقة لاضطرابات التمثيل الغذائي الأخرى.

وأبرزت الدكتورة هيذر جراي إدواردز، المشارِكة أيضاً في الدراسة، الحاجة المُلحة للمواليد الجدد الذين جرى تشخيصهم بالمرض، وقالت إن كل يوم دون علاج يخاطر بضررٍ لا رجعة فيه، وإن هدفهم هو جعل هذا العلاج متاحاً في أقرب وقت، وربما حتى كإجراء وقائي.

ويؤكد نجاح هذا العلاج الإمكانات الأوسع لتحرير الجينات في علاج الأمراض الوراثية النادرة. فعلى مدى العقد الماضي، أدى التقدم في تصميم ناقلات الفيروسات، وآليات توصيل الجينات، إلى تسريع التقدم، حيث انضم مرض شراب القيقب في البول إلى قائمة متزايدة من الحالات التي كانت تُعدّ غير قابلة للعلاج.

آفاق واعدة

أما بالنسبة للمرضى وأُسرهم فإن النتائج عظيمة، فالأطفال الذين واجهوا، ذات يوم، قيوداً مدى الحياة، قد يعايشون نمواً وتطوراً طبيعيين. وقد يستعيد البالغون المُثقلون بعقود من القيود الغذائية حرية تناول الطعام دون خوف. وقد تشهد مجتمعات مثل المينونايت؛ حيث كان المرض منتشراً، تاريخياً، القضاء عليه تقريباً. وفي حين تظل التحديات قائمة، بما في ذلك ضمان استقرار العلاج على المدى الطويل، وإمكانية الوصول إليه، يظل فريق البحث متفائلاً. وقال قوانغبينغ جاو، أحد المشاركين بالدراسة، إن الباحثين على حدود عصر جديد في الطب، وهذا الأمر لا يتعلق فحسب بمرض شراب القيقب في البول، بل يتعلق بإعادة تعريف ما هو ممكن لجميع الاضطرابات الوراثية.

aawsat.com