لقاحات الحمض النووي: تطويرات باهرة أم أسلحة دمار شامل

شكك وزير الصحة (الأميركي) روبرت إف كيندي الابن مراراً وتكراراً في سلامة لقاحات «آر إن إيه المرسال mRNA (الحمض النووي الريبي المرسال)، التي طورت ضد «كوفيد - 19». كما وجه النصيحة للعلماء الذين يحصلون على تمويل من المعاهد الوطنية للصحة بحذف أي إشارة إلى «آر إن إيه المرسال» من منحهم، كما كتبت نينا أغراوال(*).
أسلحة دمار شامل
وفي جميع أنحاء البلاد، تدرس الهيئات التشريعية للولايات مشاريع قوانين لحظر أو تقييد هذه اللقاحات، ووصفتها إحدى هذه الهيئات بأنها «أسلحة دمار شامل».
وقد حظي الحمض النووي الريبوزي المرسال باهتمام واسع النطاق في السنوات الأخيرة، رغم اكتشافه لأول مرة عام 1961. ويدرسه العلماء منذ ذلك الحين، ويستكشفون إمكاناته الواعدة في الوقاية من الأمراض المعدية، وعلاج السرطان، والأمراض النادرة.
حمض نووي مساعد لإنتاج البروتينات
* ما الحمض النووي الريبوزي المرسال؟
- يُستخدم هذا الحمض، وهو جزيء كبير موجود في جميع خلايانا، في صنع جميع البروتينات التي يوجّه الحمض النووي المنقوص الأكسجين (دي إن إيه) DNA أجسامنا لبنائها. وهو يقوم بذلك عن طريق نقل المعلومات من الحمض النووي «دي إن إيه» في النواة إلى الآليات المنتجة للبروتين الموجودة في الخلية.
ويقول جيف كولر، أستاذ بيولوجيا الحمض النووي الريبوزي (RNA) والعلاجات في جامعة جونز هوبكنز والمؤسس المشارك لشركة متخصصة في علاجات الحمض النووي الريبوزي، إنه يمكن استخدام جزيء واحد من الحمض النووي الريبوزي المرسال لإنتاج نسخ عديدة من البروتين، ولكنه مُبرمج بشكل طبيعي ليموت في النهاية.
عمل لقاحات الحمض النووي
*كيف تعمل لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال؟
-تتوفر حالياً ثلاثة لقاحات معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية تستخدم الحمض النووي الريبوزي المرسال: لقاحان لكوفيد – 19، ولقاح واحد لفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV) لدى كبار السن. وتتكون هذه اللقاحات من خيوط من الحمض النووي الريبوزي المرسال، التي يمكن تشفيرها للتوجه ضد بروتينات فيروسية محددة.
لنفترض أنك تلقيت لقاح كوفيد - 19، وفي هذه الحالة فإن خيوط الحمض النووي الريبوزي، المُغلفة في جزيئات دهنية صغيرة، تدخل إلى خلايا العضلات والجهاز المناعي لجسمك، كما يقول روبرت ألكسندر ويسيلهوفت، مدير علاجات الحمض النووي الريبوزي المرسال في معهد العلاج الجيني والخلوي في مستشفى ماساتشوستس العام بريغهام.
وفي داخل الجسم تتلقى مصانع إنتاج البروتين في الخلايا بعد ذلك تعليمات من هذا الحمض النووي الريبوزي المرسال لكي تُنتج بروتيناً مشابهاً للبروتين الموجود على سطح فيروس كوفيد - 19. وعندما يتعرف الجسم على هذا البروتين على أنه غريب، فإنه سيطلق استجابة (ردة فعل) مناعية.
وقال جيف كولر إن معظم الحمض النووي الريبوزي المرسال سيختفي من الجسم في غضون أيام قليلة، لكن الجسم يحتفظ بـ«ذاكرة» له على شكل أجسام مضادة. وكما هو الحال مع أنواع أخرى من اللقاحات، تتضاءل المناعة بمرور الوقت، وكذلك مع تطوير الفيروس لسلالات جديدة.
تصنيع أسرع للقاحات
* لماذا تُستخدم لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال حالياً؟
-في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اكتشف علماء في جامعة بنسلفانيا كيفية إدخال الحمض النووي الريبوزي المرسال الغريب إلى الخلايا البشرية دون أن يتحلل أولاً. ومكّن ذلك الباحثين من تطويره لاستخدامه في اللقاحات.
وقال ويسيلهوفت، الذي أسس شركة تُطوّر علاجات الحمض النووي الريبوزي، إن الاستخدام الرئيس لهذه اللقاحات حالياً هو الوقاية من الأمراض المُعدية، مثل كوفيد – 19، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي. ويمكن تصنيع هذه اللقاحات بسرعة كبيرة لأن جميع المكونات، باستثناء تسلسل الحمض النووي الريبوزي، تبقى كما هي في مختلف اللقاحات.
وصرح فلوريان كرامر، عالم الفيروسات في كلية طب إيكان في ماونت سيناي، الذي عمل سابقاً مستشاراً لشركتي «فايزر» و«كيورفاك» بشأن علاجات mRNA، بأن هذه الميزة قد تكون مفيدة لتطوير لقاح الإنفلونزا السنوي. عادةً، يقرر العلماء في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) سلالات فيروس الإنفلونزا التي سيُدرجها في لقاح يُطرح في الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول). ولكن بحلول ذلك الوقت، قد تكون سلالة مختلفة هي السائدة. ولأن لقاح mRNA يُمكن تصنيعه بسرعة أكبر من لقاح الإنفلونزا الحالي، فقد ينتظر العلماء حتى مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) لمعرفة السلالات المنتشرة، كما قال كرامر، ما يزيد من احتمالية فعالية اللقاح.
مخاطر اللقاحات
*هل لهذه اللقاحات مخاطر؟
- من الأسئلة الشائعة التي يطرحها المرضى ما إذا كان لقاح mRNA يمكن أن يؤثر على حمضهم النووي، وفقاً للدكتور ريتشارد بوشيه، أخصائي أمراض الرئة في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل.
لا خطر للاندماج مع الجينوم
الإجابة هي لا. لأن خلايانا لا تستطيع تحويل mRNA إلى حمض نووي، ما يعني أنه لا يمكن دمجه في جينومنا.
وقال كرامر إن لقاح كوفيد-19 يمكن أن يسبب آلاماً في العضلات، وأعراضاً تشبه أعراض الإنفلونزا، لكن هذه آثار جانبية متوقعة للقاحات بشكل عام.
من جهته قال الدكتور آدم راتنر، أخصائي الأمراض المعدية للأطفال في نيويورك، إنه مر أكثر من أربع سنوات منذ طرح لقاح كوفيد-19 لأول مرة، «ولا توجد مؤشرات على (الخطر على) سلامته على المدى الطويل».
خطر التهاب عضلة القلب
كان العديد من الآباء قلقين بشأن التهاب عضلة القلب، وهو التهاب في عضلة القلب تم الإبلاغ عنه بصفة أنه أثر جانبي محتمل للقاح. لكن راتنر قال إن خطر حدوث هذا الالتهاب نتيجة إصابة فعلية بكوفيد - 19، أو متلازمة كوفيد الطويلة، أو الالتهاب متعدد الأجهزة لدى الأطفال، كان أكبر بكثير.
تطويرات ضد السرطان واضطرابات المناعة
*ما الاستخدامات الأخرى لـ«آر إن إيه المرسال»؟
-تُدرس حالياً اللقاحات التي تستخدم mRNA لمجموعة واسعة من الأمراض، بما في ذلك السرطان، وأمراض القلب والأوعية الدموية، واضطرابات المناعة الذاتية، مثل داء السكري من النوع الأول، وأمراض نادرة مثل التليف الكيسي cystic fibrosis، وهي حالة وراثية تُنتج مخاطاً كثيفاً ولزجاً للغاية، يمكن أن يسد المسالك الهوائية، ويتلف الرئتين.
في السرطان، تكمن الفكرة في أن «آر إن إيه المرسال» يُمكن أن ينتج رموز بروتين للأورام يتعرف عليه الجهاز المناعي على أنه غريب، مُطالباً الجسم بمهاجمة الورم. أما في اضطراب وراثي مثل التليف الكيسي، فإنه يُنتج رموز نسخة فعالة من البروتين الناقص ليحل محل البروتين المعيب، ويُعيد المخاط إلى حالته الصحية.
لقاح تجريبي ضد سرطان البنكرياس
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة «نيتشر» في وقت سابق من هذا العام أن لقاحاً تجريبياً قائماً على «آر إن إيه المرسال» لعلاج سرطان البنكرياس قد أثار استجابة مناعية لدى بعض المرضى بعد خضوعهم لجراحة السرطان. وعاش المرضى الذين اختبروا هذه الاستجابة المناعية فترة أطول دون الإصابة بالسرطان مقارنةً بمن لم يختبروها.
لا يزال هذا البحث في مراحله الأولى: فقد شملت دراسة سرطان البنكرياس، وهي تجربة من المرحلة الأولى، 16 مريضاً فقط، وربما كانت هناك اختلافات أخرى بين المجموعتين تُفسر اختلاف فترات البقاء على قيد الحياة. وأوضح الدكتور ستيفن روزنبرغ، رئيس قسم الجراحة في المعهد الوطني للسرطان وخبير العلاج المناعي للسرطان، أن هناك تاريخاً طويلاً من الأبحاث التي تُظهر أن التدخلات قد تُؤدي إلى استجابات مناعية دون تغيير نتائج المرضى فعلياً.
علاج اضطراب تنفسي
وأظهرت دراسة حديثة أخرى أن العلاج بـ«آر إن إيه المرسال» المُستنشق لدى القرود يمكن أن يُنتج بروتيناً ضرورياً لتكوين الأهداب، وهي هياكل شبيهة بالشعر تبطن مجاري الهواء وتُخرج المخاط منها. وتتعطل هذه البروتينات في اضطراب تنفسي مُنهك يُسمى خلل الحركة الهدبية الأولي primary ciliary dyskinesia.
وأشار بوشيه إلى أنه في أمراض الرئة، من الصعب للغاية إدخال الجسيمات الحاملة لـ«آر إن إيه المرسال» بأمان إلى الخلايا المناسبة تماماً.
من جهته قال راتنر إن لقاحات mRNA «آر إن إيه المرسال»، بشكل عام، «مثيرة للاهتمام»، لأنها تُعطي أملاً في علاجات الأمراض التي فشلت التقنيات السابقة في علاجها. لكن العلاج بهذا الحمض لا يزال تقنية دوائية كغيرها: ففي بعض الأمراض يُحتمل أن ينجح، كما قال، «وفي حالات أخرى، يُحتمل ألا ينجح».
* خدمة «نيويورك تايمز»
aawsat.com