خبر ⁄صحة

كيف تحدث الروبوتات والذكاء الاصطناعي تحولا في علاج سرطانات الرأس

كيف تحدث الروبوتات والذكاء الاصطناعي تحولا في علاج سرطانات الرأس

في زمن يشهد تسارعاً غير مسبوق في تطور تقنيات الطب، تبرز الجراحة الروبوتية بوصفها واحدة من أكثر الابتكارات تأثيراً في علاج سرطانات الرأس والفم والوجه، التي تُعد من أصعب السرطانات وأكثرها تعقيداً من حيث الموقع والتأثير على الكلام والتنفس والمظهر الخارجي.

وفي دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة «أكاديميا أونكولوجي » (Academia Oncology) بتاريخ 13 فبراير (شباط) 2025، أوضح الجراح والباحث العالمي الدكتور جاتين بي. شاه من مركز «ميموريال سلون كيترينغ للسرطان» في نيويورك، كيف أعادت الجراحة الروبوتية تعريف المفهوم التقليدي للعلاج الجراحي في هذا المجال الحساس.

الأسس العلمية والتقنية للجراحة الروبوتية

يعمل الروبوت الجراحي المدعوم بالذكاء الاصطناعي من خلال دمج تقنيات الرؤية الحاسوبية، وتحليل البيانات الطبية، والتعلم الآلي لتوجيه الأدوات الجراحية بدقة عالية. ويقوم بتحليل صور الأشعة والتخطيط المسبق للعملية، ثم ينفذ الحركات بأعلى درجات الدقة، ما يقلل من الأخطاء، ويُسرّع التعافي، ويحسن نتائج الجراحة.

وتعتمد الجراحة الروبوتية على استخدام نظام آلي مثل نظام «دافنشي» يُتيح للجراح التحكم بذراع آلية دقيقة من خلال وحدة تحكم، ما يُمكّنه من إجراء عمليات معقدة في مناطق دقيقة من الجسم، كالحلق، والبلعوم، وقاعدة اللسان، من دون الحاجة إلى جراحة مفتوحة واسعة النطاق.

ويمثل استخدام الروبوت في جراحات علاج سرطانات الفم والرأس والرقبة نقلة نوعية في دقة الأداء الجراحي وتقليل المضاعفات، إذ يتيح للجراحين الوصول إلى مناطق دقيقة وصعبة من دون الحاجة إلى إحداث شقوق كبيرة، ما يُقلل من فقدان الدم، ويُساهم في الحفاظ على الأعصاب والأنسجة الحيوية. كما يؤدي إلى تقليل فترة التعافي، وتحسين الوظائف الحيوية مثل الكلام والبلع والتنفس، وهو ما يُعدّ أمراً بالغ الأهمية في هذه المناطق الحساسة من الجسم. إلى جانب ذلك، يساهم في تقليل التشوهات الظاهرة، ومن ثمّ تحسين المظهر الخارجي وجودة الحياة بعد الجراحة.

تقليل العلاج الإشعاعي والكيميائي

ووفقاً للدراسة، فإن إدخال الجراحة الروبوتية في علاج أورام الفم والبلعوم، خصوصاً المرتبطة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، ساهم في تقليل الحاجة للعلاج الإشعاعي أو الكيميائي، ما يعني تقليل المضاعفات الطويلة الأمد مثل جفاف الفم، وصعوبة البلع، واضطرابات النطق.

وأضاف الدكتور شاه أن هذه التقنية تُحقق معدلات شفاء مماثلة للجراحة التقليدية، ولكن بألم أقل، وإقامة أقصر في المستشفى، ونتائج وظيفية وجمالية أفضل، خاصة للمرضى في مقتبل العمر أو ممن يهمهم الحفاظ على الصوت أو المظهر.

ولم تقتصر فوائد الجراحة الروبوتية على السرطانات الصغيرة أو المتوسطة الحجم، بل أصبحت تُستخدم بنجاح في عمليات معقدة تشمل استئصال الأورام من قاعدة الجمجمة، أو الغدد اللعابية العميقة، مع استخدام أدوات ملاحية ثلاثية الأبعاد وتقنيات تصوير متقدمة.

كما أشار الدكتور شاه في بحثه إلى أن الجراح المتخصص في أورام الرأس والرقبة في عام 2025 يجب أن يُتقن الجراحة الروبوتية بجانب مهاراته التقليدية، وأن يكون جزءاً من فريق متعدد التخصصات يجمع بين الجراحة، والعلاج الإشعاعي، والعلاج المناعي، وإعادة التأهيل.

الروبوت في غرفة العمليات العربية

> المملكة العربية السعودية... تعد من أوائل الدول التي استخدمت الروبوت الجراحي، إذ بدأ مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض العمل به منذ عام 2003، كما يُعدّ مستشفى الملك فيصل التخصصي من المراكز الرائدة عالمياً في جراحة القلب باستخدام الروبوت، حيث أجرى أكثر من 105 عمليات دقيقة خلال عام واحد.

> الإمارات العربية المتحدة... كانت من أوائل الدول الخليجية والعربية التي أدخلت تقنية الروبوت في العمليات الجراحية.

> وفي لبنان، يُعد استخدام الجراحة الروبوتية متقدماً، خاصة في جراحات المسالك البولية.

> مصر... شهدت تطوراً لافتاً في هذا المجال، إذ أعلنت جامعة عين شمس تطبيق نظام الجراحة الروبوتية في مستشفياتها الجامعية، ما يعكس خطوة نوعية في تطوير الخدمات الطبية.

> المغرب... حقق إنجازاً عالمياً بإجراء أول عملية جراحية عن بُعد باستخدام روبوت متطور، تمت على مسافة 12 ألف كيلومتر بين الصين والمغرب، ما يعكس الإمكانات الكبيرة لهذا النوع من الجراحة في تجاوز حدود الزمان والمكان. ورغم هذا التقدم، لا تزال الجراحة الروبوتية محدودة الانتشار في المنطقة العربية، ويرجع ذلك إلى التكاليف المرتفعة ونقص التدريب المتخصص. ومع ذلك، فإن بعض المراكز المتقدمة في دول الخليج بدأت في تبني هذه التقنية، مما يفتح الباب أمام تحسين نتائج علاج السرطان في المنطقة.

وهكذا تُعد الجراحة الروبوتية تحولاً نوعياً في علاج سرطانات الرأس والوجه، وكما خلص الدكتور جاتين شاه في دراسته: «الجراحة في 2025 لم تعد مجرد إزالة الورم، بل أصبحت فناً دقيقاً يُوازن بين الشفاء، والوظيفة، والمظهر، والكرامة الإنسانية».

aawsat.com