خبر ⁄صحة

كيف يمكن للمديرين القيادة في عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي

كيف يمكن للمديرين القيادة في عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي

قد نكون نحن الآن الجيل الأخير من الرؤساء التنفيذيين الذين يقودون قوى عاملة بشرية بالكامل. وليس هذا من قبيل التنبؤ المستقبلي؛ بل إنه واقع يتبلور بالفعل داخل الشركات اليوم، كما كتبت كاثرين كوستيريفا(*).

دخول وكلاء الذكاء الاصطناعي

إن أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي، الأدوات التي كان يُنظر إليها سابقاً على أنها احتمالات بعيدة، تخطو بثقة إلى مؤسساتنا. وهذه الأنظمة قادرة على التعامل بشكل مستقل مع المهام عبر أقسام المؤسسات، واتخاذ القرارات، والتعلم بمرور الوقت.

«بحلول عام 2028، ستتضمن 33 في المائة من تطبيقات البرامج الكمبيوترية المستخدمة داخل المؤسسات (الذكاء الاصطناعي الوكيل)، ما يتيح اتخاذ 15 في المائة من قرارات العمل اليومية بشكل مستقل»، وفقاً لشركة «غارتنر». وبالنظر إلى وتيرة التبني الحالية، قد يكون هذا التقدير متحفظاً.

تحول تشغيلي وثقافي

هذا التحول ليس تكنولوجياً فحسب، بل تشغيلي، وثقافي. إذ لا يتعلق الأمر باستبدال البشر؛ بل يتعلق الأمر بتعزيز عملهم. وها نحن ندخل نموذج تشغيل جديداً، حيث يعمل المستخدمون البشريون ووكلاء الذكاء الاصطناعي معاً جنباً إلى جنب لتحقيق النتائج بسرعة، وذكاء، ونطاق واسع. وفي هذا النموذج، يصبح وكلاء الذكاء الاصطناعي مشاركين نشطين في القوى العاملة، وليسوا أدوات سلبية.

توظيف «المواهب الرقمية»

بالفعل، تقوم المؤسسات ذات التفكير المستقبلي بتوظيف المواهب الرقمية. فهي تعيّن أنظمة وكلاء لسير العمل، وتدمجها في فرق، وتعتمد عليها لخلق قيمة إلى جانب نظرائها من البشر.

وستكون آثار ذلك على القيادة عميقة. إذ إن أنظمة وكلاء الذكاء الاصطناعي ليست مجرد إضافات برمجية؛ إنها تُعيد تعريف كيفية تصميم عملياتنا التجارية، والتعاون في عملنا اليومي. إنها متعاونة بالمعنى الأوسع، ومثل أي أداة للتعاون، فإنها تستفيد من التكامل المدروس، والأطر الواضحة.

إعادة التفكير في القيادة في هذه البيئة الجديدة

مما لاحظناه، قد تستفيد المؤسسات من تغيير طريقة تفكيرها في القوى العاملة لديها. فالمواهب الرقمية، مثل المواهب البشرية، تحقق أفضل أداء عندما يكون لديها هيكل، ودعم، وهدف واضح. تدرس بعض الشركات بالفعل كيفية دمج أنظمة الوكلاء الرقمية، وتحديد أدوارها، وقياس أدائها، وإنشاء بيئات يتكامل فيها الذكاء البشري والاصطناعي.

نقاط القوة البارزة للمواهب الرقمية

* قابليتها التوسع. تتمثل إحدى نقاط القوة البارزة للمواهب الرقمية في قابليتها للتوسع. فبمجرد مواءمتها، يمكن نشر وكلاء الذكاء الاصطناعي بسرعة عبر المناطق الجغرافية، ووظائف الأعمال. فهي أدوات تعمل باستمرار، وتتكيف مع البيانات الفورية، وتحافظ على اتساق الأعمال عند التنفيذ.

* دورها في إعادة توزيع القدرات البشرية. ومن التحولات الأخرى التي شهدناها إعادة توزيع القدرات البشرية. فمع نقل المهام اليدوية المتكررة إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي، يُتاح للموظفين التركيز على العمل ذي القيمة الأعلى: الاستراتيجية، والإبداع، وحل المشكلات المعقدة. وهذا لا يُطلق العنان للكفاءة فحسب، بل يُطلق العنان أيضاً للمشاركة. ففي عالم يُمثل فيه الابتكار عاملاً مميزاً، يُصبح تمكين الأفراد من القيام بما لا يستطيعه سوى الأفراد ميزة استراتيجية.

تصميم فرق للتعاون: البصيرة البشرية والنفوذ الرقمي

مع إعادة تصور قوى العمل لدينا، من المفيد إعادة النظر في كيفية هيكلة المؤسسات للفرق، ليس فقط من خلال القسم أو المسمى الوظيفي، ولكن أيضاً من خلال المسؤولية، ونموذج التعاون.

وتستكشف بعض فرق القيادة الآن كيفية تحديد المواضع التي تكون فيها الريادة للبصيرة البشرية، والأخرى التي يوفر فيها الذكاء الاصطناعي النفوذ. وتُعاد صياغة الأسئلة المتعلقة بحقوق اتخاذ القرار، والمساءلة، ومقاييس النجاح لتعكس الطبيعة المختلطة لفرق اليوم.

وبطبيعة الحال، مع القدرات الجديدة تأتي مسؤوليات جديدة. إذ لا يمكن اعتبار الأخلاقيات والشفافية والحوكمة مجرد أفكار ثانوية، بل هي جزء لا يتجزأ من البداية.

مسؤولية واعتبارات أخلاقية

وتستكشف العديد من المؤسسات كيفية تدريب الوكلاء الرقميين بمسؤولية، وتحديد التوقعات السلوكية، وضمان أن تعكس هذه الأنظمة قيمها.

إن تحديد النبرة هنا، من خلال سياسات واضحة وتصميم مدروس، يمكن أن يساعد في بناء الثقة التي نهدف إلى تعزيزها في أي فريق.

إعادة الابتكار تقضي على خطأ شائع هو «تسريع العمل»

مع ذلك، فاني أرى أن هناك خطأ شائعاً تقع فيه العديد من المؤسسات، إذ إنها تطبق وكلاء الذكاء الاصطناعي على عمليات قديمة، على أمل تسريعها. لكن الكفاءة لا تعني التحول... فإن أنت أتممت عملية معطلة، فلن تحصل إلا على نتائج معطلة، ولكنها أسرع.

الفرصة الحقيقية ليست في التسريع، بل في إعادة الابتكار. تتطلب هذه اللحظة عقلية تُركز على العملية أولاً. من المستحسن أن نتراجع قليلاً، ونسأل أنفسنا السؤال الجوهري: لو كنا نصمم سير العمل هذا اليوم، مع العلم أن لدينا وكلاء ذكاء اصطناعي في فريقنا منذ اليوم الأول، فكيف كنا سنبنيه؟

هذا النوع من التفكير يؤدي إلى نوع مختلف تماماً من المؤسسات.

مجالات المبيعات وخدمة العملاء والعمليات

* في مجال المبيعات، يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي الآن تحديد العملاء المحتملين في الوقت الفعلي، وتنظيم التواصل بناءً على الإشارات السلوكية، وتقديم رؤى شخصية لمندوبي المبيعات في اللحظة المناسبة تماماً. هذا يخلق إيقاعاً يركز فيه مندوبو المبيعات بشكل أقل على التسليمات، وأكثر على النتائج.

* في مجال خدمة العملاء، نشهد شركات تتجاوز الروبوتات إلى شبكات عملاء ذكية تحل المشكلات بشكل استباقي، وتفهم المشاعر، وتُصعّد المشكلات المعقدة في سياقها الكامل. التجربة أسرع، وأكثر تعاطفاً، وكفاءة.

*في العمليات، يتخذ عملاء الذكاء الاصطناعي قرارات استباقية من خلال إدارة متغيرات سلسلة التوريد، والتنبؤ بتحولات الطلب، وتحسين الموارد بطرق كانت تتطلب في السابق طبقات من التنسيق اليدوي. هذه ليست سيناريوهات افتراضية، بل حقيقية، وتُعيد تعريف كيفية تقديم الشركات للقيمة.

هنا ستحدث أكثر الاختراقات إثارة. ليس لأننا استخدمنا الذكاء الاصطناعي لإنجاز ما نقوم به بالفعل بشكل أسرع، ولكن لأننا منحنا أنفسنا الإذن لإعادة تصور كيفية إنجاز العمل بشكل أفضل.

الأمر يبدأ بـ«تهيئة العقلية»

*بناء مؤسسات ذكية بتصميمها. وبصفة أننا رؤساء تنفيذيون، لسنا مسؤولين عن النمو فحسب، بل نحن مسؤولون عن بناء مؤسسات ذكية بتصميمها. هذا يعني أن نكون متعمدين كيفية دمج المواهب الرقمية. وهذا يعني قيادة التحول من العمليات القديمة إلى أنظمة حديثة ومرنة تعكس كيفية عمل الأفراد والآلات معاً على أفضل وجه.

* تبني التحول الثقافي. وهذا يعني أيضاً تبني التحول الثقافي. أفضل النتائج ستأتي من فرق عمل لديها حب الاطلاع، وتجريبية، ومتمكنة. ينبغي على القادة تشجيع فرقهم على التشكيك في الافتراضات، وإعادة النظر في سير العمل، واستكشاف إمكانيات جديدة. والمؤسسات التي تُحسن القيام بذلك هي التي ستبقى في الصدارة.

* مستقبل القوى العاملة. القوى العاملة المختلطة موجودة بالفعل. وتُغير برامج الذكاء الاصطناعي كيفية إنجاز العمل. إنها تُعيد تشكيل الأدوار، وتتحدى التسلسلات الهرمية، وتدعونا لإعادة النظر في مفهوم القيادة.

وهذا التحول لا يبدأ بالتكنولوجيا؛ بل يبدأ بالعقلية. يبدأ برئيس تنفيذي يُدرك أن مستقبل القوى العاملة تعاوني، وذكي، وإنساني بعمق في طموحه.

لن يكون المستقبل إنسانياً بالكامل، لكنه سيكون أكثر تركيزاً على الإنسان. وسيُحدده أولئك المستعدون للقيادة بعزيمة، وشجاعة، والتزام ببناء شيء أفضل لكل من البشر والآلات.

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

aawsat.com