خبر ⁄سياسي

ابن أبيه الأكثر تطرفا.. يائير نتنياهو يهاجم أميركا ويسب ماكرون

ابن أبيه الأكثر تطرفا.. يائير نتنياهو يهاجم أميركا ويسب ماكرون

"اللعنة عليك! نعم لاستقلال كاليدونيا الجديدة! نعم لاستقلال بولينيزيا الفرنسية! نعم لاستقلال كورسيكا! نعم لاستقلال بلاد الباسك! نعم لاستقلال غويانا الفرنسية! أوقفوا الإمبريالية الجديدة لفرنسا في غرب أفريقيا!".

لوهلة، قد يبدو الأمر غريبا، ابن رئيس وزراء "دولة"، يخرج على موقع "إكس" ليسبّ رئيس الجمهورية الفرنسية، إحدى الدول ذات الوزن الثقيل عالميا، حتى وإن تراجعت قوتها مؤخرا.

جاء هذا الهجوم الخطير والسب المباشر لإيمانويل ماكرون من طرف ابن نتنياهو بسبب تغريدة للرئيس الفرنسي، بسط فيها وجهة نظر بلاده في الحرب الدائرة حاليا في غزة، أو في الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، حتى تكون مصطلحاتنا أكثر دقة.

في تغريدته قال ماكرون: "نعم للسلام، نعم لأمن إسرائيل، نعم لدولة فلسطينية من دون حماس، وهذا يتطلب إطلاق سراح جميع الرهائن، ووقف إطلاق نار دائم، واستئناف فوري للمساعدات الإنسانية، ومتابعة الحل السياسي القائم على الدولتين"، ربما كان هذا الجزء من التغريدة هو ما أثار غضب نتنياهو الصغير، ربما، لأن الأكيد هو أن الجزء الثاني أثار غضبه واستفزَّ لسانه الذي لا يسكت إلا قليلا.

يقول ماكرون في نهاية تغريدته: "السبيل الوحيد الممكن هو المسار السياسي. أنا أؤيد الحق المشروع للفلسطينيين في إقامة دولة والعيش بسلام، تماما كما أؤيد حق الإسرائيليين في العيش بأمن وسلام، ويُعترف بهما من قِبَل جيرانهما.

يجب أن يُشكِّل المؤتمر المقبل حول حل الدولتين في يونيو نقطة تحول"، مضيفا: "أبذل كل ما في وسعي، بالتعاون مع شركائنا، من أجل تحقيق هذا الهدف المتمثل في السلام. نحن في حاجة حقيقية إليه. ولكي ننجح، يجب ألا نخفف من جهودنا. ينبغي ألا نستسلم للحلول السهلة أو الاستفزازات، ويجب ألا نسمح بانتشار المعلومات المضللة والتلاعب".

إعلان

كيف لماكرون أو لأي شخص آخر أن يتحدث عن وجود دولة فلسطينية في الأساس، فخيال نتنياهو الصغير لا يقبل هذه الفكرة، وهو الذي سافر كثيرا وتحدث طويلا في بلدان كثيرة عن أن إسرائيل، أو فلسطين المحتلة لنكون أكثر دقة، هي أرض لليهود فقط، لليهود دون غيرهم، لليهود وليست بحال للعرب.

تناقلت الكثير من المواقع ووسائل الإعلام التصريحات الصادمة ليائير نتنياهو، لكن المطلع على تصريحات سابقة له يعلم يقينا أن هذا التصريح ما هو إلا سيناريو مكرر من تصريحات مكررة هاجم فيها نتنياهو الابن الجميع، من أقرب حلفاء دولة الاحتلال حتى أبعد خصوم أبيه، أبيه الذي دعم كلام ابنه، في انتهاك (طبيعي) للأعراف الدبلوماسية، قائلا في تغريدة هو الآخر على موقع "إكس" إنه يحب ابنه يائير، وهو صهيوني حقيقي يهتم بمستقبل الدولة، مضيفا: "رغم أن أسلوب رده على تغريدة الرئيس ماكرون، الذي دعا لإقامة دولة فلسطينية، لا يروق لي، فإن من حقه التعبير عن رأيه، وماكرون مخطئ بشدة عندما يواصل دعم فكرة إقامة الدولة الفلسطينية".

لم يكن هذا هو رد فعل بنيامين نتنياهو على شطحات ابنه، فغالبا ما فرض عليه الصمت والعزل الإعلامي، وهو الذي لا يرتبط اسمه إلا بشيئين لا ثالث لهما: صراعات أو فضائح.

سليل الصهاينة الذي فشل في الخدمة العسكرية

في أحد أيام صيف عام 2015، خرج "يائير نتنياهو"، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفقة صديقه "أوري" من أحد الملاهي الليلية في تل أبيب.

استقل الصديقان سيارة حكومية بسائق وحارس تدفع الدولة راتبهما، ولكن سرعان ما نشب الخلاف بينهما إثر رفض أوري إقراض نتنياهو الصغير مبلغا بسيطا من المال لدفعه إلى "فتاة تعرٍّ"، ليرد عليه الأخير بالقول: "صديقي، يجب أن تكون لطيفا جدا معي، أبي ساعد أباك في الحصول على صفقة قيمتها 20 مليار دولار، يجب ألا تحس بالرغبة في البكاء من أجل 400 شيكل (100 يورو)، هذا حقي عليك"، ثم اختتم كلامه بسباب فاحش، حسبما نقلت بعض وسائل الإعلام.

إعلان

لم يكن أوري هو الآخر شابا عاديا، فهو ابن الملياردير الإسرائيلي "كوبي ميمون"، الشريك في شركة "إسرامكو النقب 2" للغاز، التي استفادت من صفقة لاستغلال حقل غاز تمار البحري. وقد سُجِّلَت المحادثة من طرف شخص مجهول، ثم نُشِرَت بعد ثلاث سنوات، في الوقت نفسه الذي واجه فيه بنيامين نتنياهو تهما بالفساد واستغلال النفوذ.

وحينها، علَّق رئيس الوزراء الإسرائيلي القديم الجديد قائلا إن الأمر لا يعدو كونه مزاحا بين شابين، فيما خرج ابنه للتأكيد أن التسجيل والكلام الوارد فيه لا يُعبر عنه ولا عن تربيته. هذه القصة الصغيرة جعلتنا نتساءل عن "بيبي الصغير"، عن شخصيته وتربيته ونفوذه، وعن مكانته وسط التيار القومي العنصري اليهودي في إسرائيل.

لنبدأ مع نتنياهو الجد، وهو "بن صهيون نتنياهو"، مؤرخ اعتنق الصهيونية اليمينية المتطرفة في أكثر نسخها عنصرية، ولم يخجل أبدا من التعبير عن دعمه لزعيم إيطاليا الفاشية بينيتو موسوليني في عشرينيات القرن الماضي، ولم يُخفِ كرهه العميق للمسلمين الذين وصفهم دون تحفُّظ بـ"الهَمَج". أما الأب فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والحالي والذي يصارع ليكون رئيس وزراء مستقبلي ربما "بنيامين نتنياهو"، صاحب السجل الدموي الكبير في حق الشعب الفلسطيني، والمتهم في قضايا فساد لا حصر لها.

عائلة بن صهيون نتنياهو نحو عام 1952، ويظهر في الصورة بنيامين (الثاني من اليسار)، وأخوه يوناتان، بالإضافة إلى أبيه وأمه. (الموقع الرسمي لبنيامين نتنياهو)

أما بطل قصتنا اليوم، فهو الحفيد، "يائير نتنياهو"، الابن الأكبر والعنصري المؤمن حتى النخاع بنقاوة وتفوق العِرق اليهودي، والنجم الصاعد في ساحة السياسة الإسرائيلية، التي تتفوَّق على نفسها في كل مرة بتبنيها أفكارا أكثر عنصرية من تلك التي صاغها مؤسسو دولة الاحتلال أنفسهم.

إعلان

وُلد يائير نتنياهو في 26 يوليو/تموز 1991 بالقدس المحتلة. وبعد خمس سنوات، وصل والده إلى كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية في ولايته الأولى التي انطلقت عام 1996. وفي هذه الفترة عاش نتنياهو الابن عند جدَّيْه لأمه، ثم درس الفنون المسرحية، والتحق بجيش الاحتلال، وخدم ضمن وحدة الناطق بلسان جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي لواء المركز.

لكن تجربته داخل الجيش لم تكن ناجحة، فلم يستطع التأقلم بسهولة مع الحياة العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، تغيَّب نتنياهو الابن كثيرا عن مهامه العسكرية، ولم يُلقِ بالا لاتصالات الضباط التي تركها لحرسه الخاص للإجابة عنها نيابة عنه.

بدأ يائير نشاطه السياسي مبكرا داخل أروقة حزب الليكود، وظهرت توجهاته في العديد من الأنشطة التي قادها، كما حدث عندما حشد وروَّج لقانون المؤذن، ضاغطا على أبيه عبر جمع التوقيعات في المدن المختلفة لمنع الأذان من المساجد. أما السبب وراء هذا الحشد فظهر حين قال والده إن يائير ينزعج كثيرا من الآذان الذي يصدر من قرية جسر الزرقاء الساحلية القريبة من مقر إقامة العائلة، وإن كانت نشأته في بيئة معادية للمسلمين داخل منزل عائلة نتنياهو كفيلة بتفسير كل شيء.

ليس ليائير نتنياهو أي منصب رسمي في الوقت الحالي، لكنه يُعَدُّ أحد أكثر الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحصد الشعبية ويثير الكثير من الجدل ويقول كل ما يفكر فيه، ولو كانت الأفكار مجرد تغريدات لا تحمل في طياتها إلا العنصرية والتحريض على كل مخالفيه، من العرب إلى الوزراء في حكومات أبيه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، حظر موقع فيسبوك حساب يائير بعد أن غرَّد قائلا: "لن يحل السلام هنا إلا في حالتين، الأولى بعد ترك اليهود للبلاد، والثانية بعد أن يترك المسلمون البلاد، وأنا أُفضِّل الخيار الثاني"، ثم أضاف تغريدة أخرى قال فيها: "هل تعرفون أين هي الأماكن الوحيدة التي لا تحدث فيها هجمات؟ في اليابان وأيسلندا، بالمناسبة لا توجد جالية إسلامية هناك".

إعلان

في هجومه على المسلمين، يكاد نتنياهو الصغير يخلق مشكلات أكبر "للدولة" التي يغرد صباحا ومساء للدفاع عنها، فقد ادعى ابن نتنياهو في وقت سابق تمويل منظمات يهودية وألمانية لاحتجاجات يهود الفلاشا (اليهود أصحاب الأصول الإثيوبية في إسرائيل)، موجِّها سؤالا إلى وزير الخارجية الألماني حول رد فعل بلاده إذا ما أقدم حزب الليكود على تمويل أعمال شغب تمس السِّلْم العام في ألمانيا، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة.

وفي يوليو/تموز 2022، طالب نتنياهو الصغير بطرد "الأقليات" الموجودة في تل أبيب، قاصدا بالطبع العرب والفلسطينيين. وهي تصريحات وصفتها صحيفة "هآرتس" العبرية نفسها بالقول: "ليائير نتنياهو إجابة سهلة وواضحة عن كل سؤال وعن كل مشكلة. المهاجرون؟ نطردهم. الإرهابيون؟ نعدمهم. الإرهاب؟ نقضي عليه. إيران؟ نقصفها. المحكمة العليا؟ نعيدها للشعب. وزير الدفاع قال إن هذا الإجراء قد يؤثر على أمن البلاد؟ نطرده من منصبه".

وقد عبَّر يائير عن خالص رغبته في أن يقتل كوفيد جميع اليساريين في العالم حينما حلَّ ضيفا على حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، صاحب الصلة بالأفكار النازية والعنصرية. تتقاطع أفكار نتنياهو الشاب مع اليمين المتطرف دوما، ففي إحدى الحملات الإعلانية، نشر حزب البديل من أجل ألمانيا جملة قال فيها يائير: "شنغن ماتت، نتمنى أن يموت الاتحاد الأوروبي المعولم أيضا، حتى تعود أوروبا حرة وديمقراطية ومسيحية من جديد".

صداع في رأس بنيامين

يضم حساب يائير نتنياهو على موقع إكس نحو 230 ألف متابع، وهو يقدم نفسه على أنه مقدم برامج إذاعية وبودكاست، وهو صحيح إلى حدٍّ ما. فقد عكف على تقديم برنامج أسبوعي كل جمعة على أمواج إذاعة الجيش الإسرائيلي، حيث عبَّر عن أفكار عنصرية تتجاوز في تطرفها رموز اليمينية في الغرب.

ويسير نتنياهو الصغير على خط اليمين المتطرف، بكلام مباشر مستفز مليء بالمغالطات والأخبار الكاذبة والمواجهات الحادة مع الخصوم، من العرب والمسلمين والإسلام، والمثقفين اليهود، والفنانين "التقدميين"، وصولا إلى كل شخص يجرؤ على رفع بنانه في وجه أبيه وسياساته.

إعلان

مع مرور الوقت، وانتشار صوته في كل مكان، بدأ الإسرائيليون يقتنعون بأن الوصول إلى أفكار بنيامين نتنياهو ليس بتلك الصعوبة، بل يكفي تتبُّع ما يخرج من لسان ابنه لتعرف ما يضمره الأب.

وقد نشأ يائير في كنف أمه "سارة" المهووسة به، فكانت درعه الحامي الذي صدَّ عنه العديد من المشكلات التي ورَّط نفسه فيها، كما حدث في مارس/آذار 2019 حينما تسرَّبت له مكالمة هاتفية مع أصدقائه وهو في طريقه إلى نادٍ جنسي، إذ عرض على أصدقائه إقامة علاقات مع صديقته مقابل مبلغ مالي، ما وضع أباه في موقف محرج للغاية.

سارة نتنياهو (وسط)، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تجلس مع ابنيهما أفنير (يمين الصورة) ويائير أثناء أداء الحكومة الجديدة للبلاد اليمين الدستورية في الكنيست (البرلمان) في القدس، في 29 ديسمبر 2022. (الفرنسية)

استلهم يائير العديد من الخصال من أمه، وأهمها اقتناعه بضرورة العيش في نعيم يليق بـ"أمراء إسرائيل"، ولذا كان من الطبيعي أن يَرِد اسمه ضمن التحقيقات الجارية حول فساد أبيه، بعد أن استخدما شققا فاخرة يمتلكها رجل أعمال أسترالي يُدعى "جيمس بيكر"، الذي مَوَّل أيضا رحلات جوية خاصة لهما وإقامة بفنادق فخمة في دول مختلفة، كما حدث في نهاية سبتمبر/أيلول 2015، حينما رافق يائير والده لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحطَّ الابن رحاله في فندق فخم ينزل فيه "بيكر" على حساب الأخير.

أزعجت هذه التهم الابن الأكبر أيَّما إزعاج، فتحيَّن الفرصة التي جاءت بمجرد نجاح أبيه في الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وخرج للمطالبة بمحاكمة الخونة من رجال الشرطة الذين عملوا على قضية فساد عائلة نتنياهو، معتبرا أن العقاب المناسب لن يكون أقل من الإعدام، ومتناسيا أن وحدها "الخيانة في زمن الحرب" يُطبَّق فيها هذا الحكم حسب القانون الإسرائيلي.

وفي 18 مارس/آذار 2023، شبَّه يائير المعارضين للتعديلات القضائية في إسرائيل بكتيبة العاصمة النازية، ثم وصف المتظاهرين بعد ذلك بالإرهابيين بعد أن تجمَّع بعضهم أمام الصالون الذي تُصفِّف فيه أمه شعرها هاتفين: "البلد يحترق وسارة تصفف شعرها"، مطالبا في مداخلة إذاعية باعتقال جميع المحتجين.

فتح يائير النار أيضا على مؤسسات ثقيلة في دولة الاحتلال، فقد اتهم جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" بمحاولة الانقلاب على أبيه، علاوة على اتهامه الخارجية الأميركية نفسها بتمويل الاحتجاجات للإطاحة بنتنياهو من على رأس الحكومة.

إعلان

ودلَّل يائير على صحة كلامه بمقال نشره أحد المواقع الأميركية اليمينية المتطرفة، الذي قال إن الولايات المتحدة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية الحالية من أجل تمرير الاتفاق مع إيران. ولم تمر هذه التغريدة مرور الكرام، فقد وصف نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية كلام يائير بـ"الكذب".

في المقابل، يلعب نتنياهو الأب دور الإطفائي عقب كل تصريح لابنه، فقد كتب على تويتر تغريدة للرد على مطالبة الأخير بإعدام الخونة الذين حققوا في فساد أبيه: "أحب ولدي يائير، وهو شخص مستقل بآرائه، كل شخص له الحق في الإعراب عن النقد، لكنني أختلف مع تصريحاته التي نُشِرَت".

وبعد التغريدة التي اتهم فيها وزارة الخارجية الأميركية بدعم الاحتجاجات ضد والده، اختفى الابن الذي توقف عن التغريد منذ 28 مارس/آذار الماضي، بعد أن كان ينشر عشرات التغريدات في اليوم الواحد. وتُشير بعض الأخبار إلى أن عائلة نتنياهو ضاقت ذرعا بابنها وبالمشكلات التي يتسبب فيها، وطالبته بالتوقف عن نشاطه على منصات التواصل الاجتماعي، ما تسبَّب في شجار عائلي عنيف، على حد وصف أحد المصادر.

نتنياهو الصغير.. هل يَرِث عرش أبيه؟