رغم العنف والدمار الأكبر... فلسطينيو جنوب الضفة متمسكون بالأرض

ينحني الفلسطيني هيئم دبابسة لجمع أكوام حجارة منزله الذي هدمته جرافات الجيش الإسرائيلي في قريته خلة الضبع في مسافر يطا بجنوب الضفة الغربية المحتلة، ليفسح المجال أمام إقامة خيمة تؤويه، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».
منذ سنوات، تتكرّر في هذه المنطقة أعمال العنف التي يقوم بها مستوطنون إسرائيليون، كما عمليات الهدم المتكررة للمساكن التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.
إلا أن دبابسة (34 عاماً) يقول إن العملية الأخيرة كانت «أكبر عملية هدم شهدناها على الإطلاق» بعدما دُمرت القرية التي كان يقطنها نحو 100 فلسطيني.
وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «جاءت القوات الإسرائيلية هنا في الماضي ونفّذت ثلاث أو أربع عمليات هدم، لكن لم يتمّ تدمير قرية بهذا الحجم في مسافر يطا. لم يتبقَ لي شيء سوى ملابسي، كل ما أملكه أصبح تحت الأنقاض».
كان والده الثمانيني خلفه يحاول جاهداً إزاحة باب المنزل القديم عن الطريق ليتمكنا من تشييد مأوى لهما.
وخلة الضبع واحدة من بين قرى عدّة سلّط الفيلم الوثائقي «نو آذر لاند» (لا أرض أخرى) الحائز على جائرة أوسكار، الضوء عليها. وهو يروي معاناة السكان الفلسطينيين في جنوب الضفة الغربية التي تمثل هدفاً متكرراً لعنف المستوطنين وأنشطة الجيش الإسرائيلي.
ومنذ فوز الفيلم بالجائزة مارس (آذار) الماضي، تكرّرت عمليات الهدم والهجمات بالقرى التي ظهرت في الفيلم.
لا حماية
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967، وأعلنت القوات الإسرائيلية في وقت لاحق مسافر يطا منطقة عسكرية مغلقة.
وتقوم القوات الإسرائيلية وبشكل دوري بهدم المنشآت التي تقول السلطات إنها بنيت بشكل غير قانوني في منطقة يعيش فيها نحو 1100 فلسطيني.
وعن هدم خلة الضبع، قالت القوات الإسرائيلية في بيان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قامت سلطات التنفيذ التابعة للإدارة المدنية بتفكيك عدد من المنشآت غير القانونية التي بنيت في منطقة عسكرية مغلقة واقعة على تلال الخليل الجنوبية».
ووفق البيان، «تم تنفيذ الهدم بعد إتمام جميع الإجراءات الإدارية المطلوبة وفقاً لإطار الأولوية التنفيذية الذي تم تقديمه سابقاً للمحكمة العليا».
ويعرف عن بعض سكان المنطقة وأجدادهم أنهم كانوا يعيشون في كهوف صخرية هرباً من حرارة الصيف الشديدة. وبعد إعلان مسافر يطا في سبعينات القرن الماضي منطقة عسكرية مغلقة، بنوا منازل من الحجارة وغيرها من المواد.
وروى دبابسة أنه أول فرد في أسرته يولد في مستشفى وليس في كهف.
وشرح كيف أن الجيش أغلق مدخل الكهف الذي يقع قرب منزل عائلته المهدّم حيث ولد والده وجده.
في وسط خلة الضبع، يمكن رؤية دفتر ملاحظات ممزق تغطيه الأتربة بين الأنقاض وكانت إحدى المنظمات الإنسانية تستخدمه لتسجيل الفحوص الطبية للسكان.
على الجدار الخارجي للمنشأة الوحيدة التي بقيت قائمة، رسمت جدارية كتب عليها بالإنجليزية «دعني أعيش».
وقال رئيس مجلس قرية التواني المجاورة، محمد ربعي، إن مساعدات تصل إلى القرى في المنطقة. لكنه أضاف أنه لا يريد تلك المساعدات لطالما الدول الممولة «لا تستطيع أن تحمي منشأة ساهمت في إقامتها».
«لن أغادر»
وتابع ربعي: «تمّت توسعة تسع بؤر استيطانية في منطقة مسافر يطا» بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» بقطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويعيش في الضفة الغربية من دون القدس الشرقية نحو نصف مليون إسرائيلي في مستوطنات تعتبر غير قانونية في نظر القانون الدولي، فيما يبلغ تعداد الفلسطينيين نحو ثلاثة ملايين.
وبحسب رئيس المجلس القروي، يهاجم المستوطنون من المستوطنات القريبة «المنازل، ويقومون بالتخريب، ويحاولون القتل، ويعتدون على الأطفال والنساء» دون رادع، وغالباً بحماية الجيش الإسرائيلي، وفق قوله.
ورأى ربعي في هذا «سياسة تهجير واضحة».
وعبّر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي يعيش في مستوطنة بشمال الضفة الغربية المحتلة، الثلاثاء، عن أمله في أن يتم ضمّ الضفة بشكل رسمي في عهد الحكومة الحالية التي توصف بأنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل والتي ستواصل عملها حتى أواخر العام المقبل.
واعتبر وزير المالية أن ضمّ الضفة الغربية هو «أحد أهم التحديات» أمام القيادة الإسرائيلية.
أما آمنة دبابسة (76 عاماً) التي انتقلت للعيش في خلة الضبع عند زواجها قبل 60 عاماً، فأكدت أنها لن تغادرها. وأضافت: «الوطن غالٍ، أنام على الحجارة ولا أخرج من هنا».
وقالت وهي تجلس مع حفيداتها على صخرة في ظلّ شجرة زيتون، إن الجنود أجبروها على الخروج من منزلها قبل هدمه. «كنت أريد أن أرتدي ملابسي لكنهم طردوني».
ويشاركها هيثم الإصرار على عدم مغادرة القرية. وقال وهو يشير إلى سرير وضع في الهواء الطلق على قمة التل: «نمت هناك الليلة الماضية».
aawsat.com