صاروخ فرط صوتي كفيل بتدميرها.. هل انتهى عصر حاملات الطائرات العملاقة

تشبه مدينة عائمة على سطح البحر، هكذا توصف حاملة الطائرات "جيرالد فورد"، أحدث طراز في الجيل الجديد من حاملات الطائرات الأميركية الأضخم في العالم.
دخلت هذه الحاملة الخدمة رسميًا عام 2017 خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وقف على متنها مفتخرًا بزهو يرتدي سترة البحرية الأميركية أثناء إلقائه خطابا حماسيا قال فيه إن حاملة الطائرات الأميركية الأحدث هي رسالة للعالم "تزن 100 ألف طن".
ينظر كثيرون إلى حاملات الطائرات باعتبارها جوهرة التاج في البحرية الأميركية، فهي سفن كبيرة مسطحة تعمل كمطارٍ متنقل قادر على حمل وإطلاق عشرات الطائرات المقاتلة، ولهذا السبب أصبحت رمز قوة وهيمنة الولايات المتحدة، التي تمكنها من نشر قواتها إلى أي مكان في العالم وضد أي عدو.
إلا أنه مع تقدم تكنولوجيا الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، صارت مدن الحرب العائمة التي يتكلف تصنيعها مليارات الدولارات مهددة من قبل الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن والمسيّرات رخيصة الثمن، وهي أسلحة أصبحت الآن في متناول يد أعداء واشنطن.
هذا الأمر دفع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى التساؤل عن قيمة حاملات الطائرات، قائلًا في مقابلة أجريت معه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن 15 صاروخًا فرط صوتي بإمكانها إغراق 10 حاملات طائرات أميركية في غضون 20 دقيقة.
كانت تصريحات هيغسيث تشير إلى التهديدات التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة التي تعتبر رمزًا للفخر الوطني الأميركي، وبالتالي فإن فقدان واحدة منها في أي صراع قد يؤثر سلبًا على الفخر الوطني والمعنويات العسكرية ويعد ضربة قاصمة لأميركا، وهي مخاوف يشاركه فيها العديد من الخبراء العسكريين الذين جادلوا بأن عصر "حاملات الطائرات العملاقة" الذي كانت فيه الولايات المتحدة قادرة على بث الرعب في قلوب خصومها؛ قد أوشك على الانتهاء.
إعلانمدن الحرب العائمة هددتها إيران وصواريخ الحوثيين
تمتلك الولايات المتحدة أكبر أسطول من حاملات الطائرات في العالم، قوامه 11 حاملة عملاقة تعمل بالطاقة النووية، وذلك مقارنةً بعدد 20 حاملة طائرات تمتلكها سائر دول العالم، ورغم ذلك لا يمكن لأي دولة مضاهاة قدرات البحرية الأميركية في النفوذ والسيطرة، فأغلب حاملات الطائرات تتركز في دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا أو دول حليفة مثل اليابان.
في حين نجد أن قدرات حاملات الطائرات لدى خصوم الولايات المتحدة التقليديين مثل روسيا والصين لا يمكنها بأي شكلٍ من الأشكال منافسة البحرية الأميركية، حيث لا تمتلك روسيا إلا حاملة طائرات وحيدة معطوبة ما زالت تعمل بالمازوت، وهي الحاملة "كوزنيتسوف"، في حين أن لدى الصين حاملتين للطائرات هما "لياونينغ" و"شاندونغ".
وعلى الرغم من أن موسكو تخطط حاليًا لبناء أكبر سفينة مسطحة في العالم تعمل بالطاقة النووية ويطلقون عليها اسم "شتورم" أو "العاصفة"، وبالمثل تعمل الصين على تحديث قواتها البحرية وتستعد حاليًا لإطلاق الحاملة الثالثة "تايب 003" (Type 003) والتي يُتوقع أن تكون أكبر حجمًا وأكثر تطورًا، فإن هذه المشاريع قيد التطوير وبعضها ما زال أمامه سنوات ليكتمل، وبالتالي تظل الريادة والقدرة على بسط النفوذ والسيطرة في البحار والمحيطات البعيدة من نصيب البحرية الأميركية.
يضم أسطول الولايات المتحدة فئتين من حاملات الطائرات في الخدمة الفعلية، 10 حاملات من فئة "نيميتز"، وحاملة طائرات وحيدة من طراز "جيرالد فورد" الأحدث في العالم، وهي موزعة بالكامل على الأساطيل الأميركية الستة المتمركزة في المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي والبحر المتوسط والخليج العربي، وتتولى البحرية الأميركية من خلال هذه الأساطيل مسؤولية أساسية هي حماية النظام العالمي القائم على حرية الملاحة والتجارة الحرة، والتي -للمفارقة- تعمل على حماية المصالح التجارية للقوى الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة وعلى رأسها الصين.
إعلاندخلت مجموعة حاملات نيميتز الخدمة الفعلية في سبعينيات القرن الماضي، وتزيد سرعة إبحارها عن 55 كلم/ساعة، وتعد من الحاملات رخيصة الثمن نسبيًا، إذ تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي 4.5 مليارات دولار، هذا بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية، وتسعى البحرية الأميركية حاليًا لاستبدال مجموعة نيميتز بحاملات الجيل الجديد من فئة "جيرالد فورد"، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها أكثر من 13 مليار دولار، بخلاف 4.7 مليارات دولار تكلفة البحث العلمي والتطوير، بالإضافة إلى مصروفات التشغيل السنوية.
ينظر إلى "جيرالد فورد" باعتبارها فخر البحرية الأميركية، فقد استغرق بناء النسخة الأولى منها أكثر من 10 سنوات، وتعمل الحاملة بمفاعلين نوويين من طراز "أي 1 بي"، بما يمكنها من الإبحار مدة تزيد عن 20 عامًا دون الحاجة إلى التزود بالوقود، وهي سفينة مسطحة ضخمة تتكون من 25 طابقًا ويبلغ طولها 335م ويصل وزنها إلى 100 ألف طن، وبإمكانها حمل ما يصل إلى 80 طائرة. كما أنها مزودة برادار ثنائي الموجة، ونظام إطلاق كهرومغناطيسي للطائرات، في حين تزيد سرعتها عن 30 عقدة، ويصل عدد أفراد طاقمها قرابة 5000 من جنود البحرية والمشاة.
لكن، رغم هذه القدرات الكبيرة التي جعلت البحرية الأميركية متفوقة على منافسيها بمعدلات كبيرة، فإن تكلفة الحاملات الباهظة التي تقدر بمليارات الدولارات جعلت الصحفي العسكري المتخصص في العمليات الخاصة ستافروس أتلاماز أوغلو يناقش جدوى الاستثمار في حاملات الطائرات مستقبلًا، خاصة بعدما انهمك خصوم الولايات المتحدة في تطوير برامج صواريخ رخيصة الثمن وقادرة على استهداف الأصول البحرية وإغراق الحاملات، في خطوة يرى البعض أنها قد تغير مفاهيم الحروب البحرية مستقبلًا.
يطلق على هذا المفهوم اسم "سياسة المناطق المحظورة" (Anti access – Area denial)، وهي استراتيجية جديدة للحرب البحرية تتبعها بعض الدول بهدف جعل حاملات الطائرات العملاقة عديمة الجدوى، وذلك عبر تطوير قدرات الصواريخ الهجومية إلى درجة تمنع حاملات الطائرات من تنفيذ عمليات هجومية قرب سواحل الدول الأعداء، كما هو الحال عند السواحل الصينية، الأمر الذي يفقد حاملات الطائرات جزءا كبيرًا من قدراتها.
إعلانإلا أن هذه التهديدات لم تعد تتوقف عند حدود الدول الكبرى مثل روسيا والصين، بل تعدت ذلك لتشمل إيران والجماعات الصغيرة الناشئة مثل جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
ففي أبريل/نيسان الماضي، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، استهداف حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" في شمال البحر الأحمر عبر مجموعة من الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد ردت القيادة المركزية الأميركية على ذلك بمنشورٍ عبر صفحتها الرسمية على منصة "إكس" تناول مقطعا مصورا يظهر انطلاق الطائرات من الحاملة "هاري ترومان" بعد تعرضها للهجوم، في إشارة إلى عدم تضررها واستعدادها لمواصلة عملياتها. لكن، رغم نفي البحرية الأميركية فقد أمر البنتاغون بإعادة تموضع حاملة الطائرات بعيدًا عن مرمى نيران الحوثيين.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها حاملة طائرات أميركية للتهديد من قبل الصواريخ الحوثية الباليستية المضادة للسفن والتي تتطور بشكلٍ ملحوظ، ففي عام 2024 كاد صاروخ حوثي أن يصطدم بسطح حاملة الطائرات الأميركية "آيزنهاور"، كما تعرضت السفن التجارية والسفن الحربية الأميركية للخطر في مياه البحر الأحمر بعدما واصل الحوثيون إطلاق صواريخهم المضادة للسفن منذ بداية الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما عرف باسم "جبهة إسناد غزة".
يقول عن ذلك قائد المدمرة الأميركية "لابون"، إريك بلومبيرغ، إن فترة خدمته ضد الحوثيين كانت من أصعب فترات القتال التي شهدتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع بعض الخبراء العسكريين للتصريحبأن الضعف في مواجهة القدرات الصاروخية الناشئة لجماعة صغيرة مثل الحوثيين في خليج عدن؛ يُعد مؤشرًا خطيرًا، خاصةً إذا ما واجهت الولايات المتحدة عدوًا أكثر تطورًا مثل إيران أو الصين.
إعلانبالفعل هددت طهران مؤخرًا باستهداف القواعد العسكرية الأميركية وألمحت إلى قدرتها على إغراق حاملات الطائرات العملاقة التي تجوب بحار الشرق الأوسط، وذلك بعدما توعّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعواقب وخيمة إذا لم تتخل عن برنامجها النووي، حيث صرح قائد القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، أن وفرة القوات الأميركية في المنطقة نقطة ضعف وليست دليلًا على القوة، مشبهًا القواعد العسكرية الأميركية بالغرف الزجاجية، في إشارة إلى أنها تمثل أهدافًا واضحة في نطاق أسلحة طهران.
هذا الأمر تناوله محرر الشؤون الأمنية براندون ويتشرت في مقال نشرته مجلة "ناشيونال إنترست"، قال فيه إن إيران لا تطلق تهديدات جوفاء، بل باستطاعتها عند اندلاع أي صراع في الشرق الأوسط إغراق إحدى حاملتي الطائرات الأميركيتين في الشرق الأوسط، في إشارة إلى الحاملة "كارل فينسون" التي وصلت مؤخرًا مع مجموعتها القيادية لتنضم إلى الحاملة "هاري ترومان" بهدف تعزيز الأصول البحرية الأميركية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
وألمح ويتشرت في تقريره إلى أن حاملات الطائرات التي طالما اعتبرت رمزًا للهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات وسلاحًا استراتيجيًا مكّن واشنطن من إطلاق الطائرات في عرض البحر، أصبح لزاما على البحرية اليوم إبقاؤها على مسافة آمنة بعيدًا عن بؤر القتال، مما يحد من فاعليتها وقدرتها على الهيمنة.
هل تحيل الصواريخ الفرط صوتية "حاملات الطائرات" إلى التقاعد
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أفادت بعض التقارير أن مختبرًا سريًا في الصين أجرى محاكاة لاستخدام قدرات الأقمار الصناعية والصواريخ الفرط صوتية في شن هجوم مسلح على سفن حربية أميركية، إذ تلقت الصواريخ الفرط صوتية الصينية الدعم من عدد من الأقمار الصناعية منخفضة المدار التي كانت متمركزة فوق السفن الأميركية، بعدما التقطت هذه الأقمار إشارات الرادار القادمة من السفن الأميركية واستخدمتها فيما بعد في إطلاق إشارات مماثلة لخلق ضوضاء خلفية ساعدتهم على إخفاء مواقع الصواريخ. وأشارت الورقة البحثية إلى أن قمرين صناعيين أو ثلاثة كانت كافية لمهاجمة حاملة طائرات أميركية.
إعلانكشفت المحاكاة الحاسوبية أنه بمجرد اقتراب الصواريخ بمسافة نحو 50 كلم من الهدف تكتمل مهمة التشويش الخاصة بالأقمار الصناعية، في الوقت ذاته تفعل أجهزة التشويش المحمولة على الصواريخ والتي تتسبب في إرباك رادارات العدو، حينها تبدأ الصواريخ مناوراتها النهائية في الوصول إلى الأهداف وتدميرها.
وبحسب ما نشرته "فوكس نيوز" الأميركية، استندت هذه الورقة البحثية إلى رادارات "إس بي واي- 1 دي" (SPY-1D) التي طورتها شركة لوكهيد مارتن، وهي رادارات شهيرة تستخدمها مدمرات البحرية الأميركية من طراز "آرلي بيرك".
ومع تزايد حدة التوترات بين واشنطن وبكين في الآونة الأخيرة وانخراطهما في صراع محموم لفرض السيطرة على المحيطين الهندي والهادئ، أشارت عدة تقارير إلى أن السيناريو المحتمل لاندلاع حرب بين الدولتين قد يتضمن تحليق قاذفة صينية غرب المحيط الهادئ، وإطلاق صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن تغمر أنظمة الدفاع المتواجدة على سطح حاملة الطائرات الأميركية، مما يتسبب في إغراقها أو تعطيلها في أفضل تقدير.
تعمل الصين حاليًا على بناء قدرات صاروخية يمكنها ضرب القواعد العسكرية الأميركية غرب المحيط الهادئ وحتى جزيرة غوام، بما يشمل تطوير الصواريخ الفرط صوتية القادرة على إغراق حاملات الطائرات. هذا الأمر تناولته مجموعة من الباحثين في جامعة شمال الصين بدراسة نشرت في مايو/أيار 2023، أشاروا فيها إلى أن الصواريخ الصينية الفرط صوتية لا تمثل تهديدًا للأصول البحرية الأميركية فحسب، بل بإمكانها تدمير حاملة الطائرات الأحدث من طراز "جيرالد فورد".
تتميز الصواريخ الفرط صوتية عن الصواريخ الباليستية التقليدية بسرعتها التي تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف أو أكثر، كما تعرف بقدرتها العالية على المناورة، حيث لا تتخذ هذه الصواريخ مسارًا قوسيًا في رحلة الطيران مثل الصواريخ الباليستية التقليدية، مما يُصعّب على أجهزة الرادار والأقمار الصناعية تتبعها، ويجعلها أكثر قدرة على المراوغة أثناء الطيران واختراق أنظمة الدفاع الجوي للعدو. وحتى اليوم لا تمتلك الولايات المتحدة أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ الفرط صوتية المتقدمة.
إعلانونجد على رأس منظومة الصواريخ الصينية التي تهدد الأصول البحرية الأميركية، مجموعة "دونغ فينغ" (Dongfeng) التي تعرف بالعربية باسم "رياح الشرق"، ومن بينها صاروخ (دونغ فينغ-27) المعروف باسم "قاتل حاملات الطائرات"، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد كشفت عنه لأول مرة عام 2021، واعتبرته وسائل الإعلام سلاحًا قادرًا على تقليص الهيمنة الأميركية العالمية.
و"دونغ فينغ-27" هو صاروخ باليستي قادر على حمل مركبة انزلاقية تنفصل عنه وتنطلق نحو هدفها بسرعات تفوق سرعة الصوت، ويتميز هذا الصاروخ بمدى كبير يتراوح بين 5000 و8000 كلم، مع إمكانية التحليق على ارتفاعات منخفضة وتغيير اتجاهه، بما يُصعّب على أنظمة الدفاع الجوي تتبعه أو اعتراضه.
وفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأثناء فعاليا&