خبر ⁄سياسي

خبر وتحليل.. عمار العركي يكتب: ذات الشركة الأجنبية والدواء لا يزال مستوردا

خبر وتحليل.. عمار العركي يكتب:   ذات الشركة الأجنبية والدواء لا يزال مستوردا

▪️في ظل انسداد أفق الحل السياسي، وتآكل فرص الوصول إلى تشكيل حكومي صريح كامل الدسم، ومع تزامن ذلك مع ربكة ملحوظة في الخطاب السياسي وتمييع مستمر لخارطة الطريق التي كانت قد وجدت قبولًا داخليًا وخارجيًا – قبل أن تمتد إليها يد التذويب والتشويه – *كشفت مصادر مطلعة لـ(الكرامة) عن قرار مرتقب بتعيين د. كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء بصلاحيات واسعة،* مشيرة إلى عودته بقوة إلى دائرة الترشيحات بعد أن طُرح اسمه سابقًا ضمن عدد من الأسماء. هذا التطور أعاد للأذهان التجربة السابقة مع د. عبدالله حمدوك، ليس فقط من زاوية التشابه في المسارات الشخصية، بل من زاوية المنهج والتجربة والنتائج المتوقعة.
▪️ورغم اختلاف الظرف بين الأمس واليوم – من حيث توقيت التكليف وتعقيدات البيئة السياسية – إلا أن تشابه السياقات الشخصية والفكرية بين الرجلين يدفعنا للتساؤل المشروع: هل نعيد تكرار نفس التجربة بذات أدواتها؟ وهل يكفي تغيير الاسم إن بقي المصدر كما هو؟
*_الخلفية الدولية والانفصال العملي عن الواقع الوطني:_*
ينتمي كل من د. حمدوك ود. إدريس إلى جيل الكفاءات السودانية التي بنت تجربتها خارج البلاد، في بيئة مؤسسية دولية، ووسط مناخات فكرية واقتصادية نُسجت خارج تعقيدات الواقع السوداني. كلاهما عاش عقودًا طويلة خارج البلاد، بعيدًا عن تطورات الداخل وتغيرات المزاج الشعبي.
هذا الامتداد الخارجي الطويل جعلهما أقرب إلى اللغة الأممية في خطابيهما، وأبعد نسبيًا عن نبض الشارع السوداني، الذي بات أكثر حساسية تجاه كل ما يأتي من خارج أسواره السياسية والثقافية.
*_حيازة الجنسية الأجنبية والانغماس في النمط الغربي_ :*
▪️يحمل كل منهما جنسية غربية، وعاشا طويلًا ضمن أنظمة وثقافات أجنبية، ما انعكس في طريقة التفكير، والأولويات، وشكل التعاطي مع القضايا الوطنية.
هذه الحقيقة – التي قد تبدو تفصيلية في نظر البعض – أصبحت اليوم قضية جوهرية في ظل شعور وطني متنامٍ بأن الأزمة السودانية تحتاج إلى من عاش مرارتها وشعر بها، لا إلى من نظر إليها من نوافذ جنيف أو نيويورك أو أديس أبابا.
*_الرهان على الخارج كقوة دعم وسند_ :*
كلا الرجلين جاء مدفوعًا بدعم خارجي مباشر أو غير مباشر، فحمدوك كان مرشحًا توافقيًا بدفع من “مجموعة أصدقاء السودان”، بينما تبرز عودة إدريس اليوم في ظل تحركات دولية متسارعة لإعادة تدوير النخب ذات “القبول الغربي”، وهو ما يشير إلى أن ذات الشركة الأجنبية – التي سوقت لحمدوك – تعود لتضع منتجًا جديدًا على الرف السياسي، وإن تغير الغلاف.
*_الاستجابة للضغوط الأجنبية على حساب الإرادة الوطنية_ :*
▪️أظهرت تجربة حمدوك ضعفًا واضحًا في مواجهة الضغوط الدولية، خاصة من المؤسسات المالية العالمية التي فرضت وصفات اقتصادية قاسية تسببت في اضطرابات داخلية واسعة.
ومع أن د. إدريس لم يُختبر بعد في هذا المضمار، إلا أن ارتباطاته المؤسسية السابقة ، وتكوينه الخارجي، يجعلان احتمالية إعادة إنتاج ذات الاستجابة واردة، ما يُضعف الثقة في جدوى التغيير الشكلي.
*_الخطاب الناعم والانفصال عن الصرامة التنفيذية_ :*
▪️يمتاز كلاهما بخطاب دبلوماسي رصين، يميل إلى التهدئة، ويُراعي المحافل الدولية، لكن هذه اللغة – وإن راقت للنخب – كثيرًا ما افتقرت إلى الحزم الميداني اللازم، خاصة في أوقات الأزمات المصيرية التي تحتاج إلى قرارات جريئة تنبع من عمق الداخل لا من توازنات الخارج.
*_إرث العلاقة مع النظام السابق_ :*
في عهد سلطة الإنقاذ، تماهى د. كامل إدريس مع المشهد السياسي القائم، وساهم فيه بترشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات عُدت آنذاك جزءًا من تكتيك النظام لتجميل واجهته الخارجية، ما يطرح تساؤلات حول قدرته على اتخاذ مواقف حاسمة واستقلالية مطلوبة في المرحلة الحالية،أما حمدوك، فقد طُرح اسمه لأول مرة في عهد البشير، حين عرضت عليه منظمة دولية ترشيحه لمنصب وزير المالية، وكان قاب قوسين أو أدنى من القبول، في مؤشر إضافي على تقاطع خلفية الرجلين وارتباطات ظهورهما السياسي بترتيبات فوقية خارجية الطابع.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
▪️رغم أن د. كامل إدريس، كما د. عبدالله حمدوك من قبله، يمثلان نمطًا من الكفاءات الدولية ذات الخبرة العالية والخطاب المتزن، إلا أن التجربة السودانية باتت أكثر تعقيدًا من أن تُعالج بوصفات مستوردة أو حلول قادمة من خارج بيئة الأزمة.
فجسد الوطن، المُنهك بالحروب والمخترق بالتدخلات، طوّر مناعته ضد الأجسام الغريبة، وصار يُقاوم – بوعي شعبي متزايد – كل ما لا يشبهه، ولا ينتمي إليه عضويًا أو وجدانيًا.
ولذلك، لا يبدو أن هذا “الدواء” الجديد – وإن تغير اسمه – سيكون أكثر نجاعة، لأن المشكلة لم تكن في اسم الطبيب، بل في طبيعة الدواء ومصدره.
▪️وفي زمن الحرب، لم تعد الكفاءة وحدها كافية، بل صارت الوطنية الخالصة، والتجذر في وجدان الناس، وعدم الارتهان لأي أجندة خارجية، عناصر مركزية في “تركيبة الدواء” المطلوبة لإنقاذ ما تبقى من الوطن.
أما من زاوية السلطة، فإن إعادة تدوير هذا النمط من الشخصيات، وبالتوقيت الراهن، لا تعكس تحوّلًا في النهج، بقدر ما تؤكد استمرار الرهان على ذات الآلية التي فشلت سابقًا، رغم تغيّر الظرف وتحوّل التحديات من سياسية إلى وجودية.
▪️فالسؤال لم يعد: من يصلح رئيسًا للوزراء؟ بل: أي نموذج حكم يصلح لهذا الوطن المنهك… وأي دواء يمكن أن يقبله جسد اكتفى من الغربة، واشتد عطشه إلى الانتماء الحقيقي؟

azzapress.com