خبر ⁄سياسي

تدمير مركز أبحاث المايستوما.. خسارة تاريخية تقتل آمال آلاف المرضى الفقراء

تدمير مركز أبحاث المايستوما.. خسارة تاريخية تقتل آمال آلاف المرضى الفقراء

متابعات – نبض السودان

في ضربة قاصمة للجهود الرامية لمكافحة أحد أكثر الأمراض المدارية إهمالاً، أعلن مكتب منظمة الصحة العالمية في السودان عن تدمير مركز أبحاث المايستوما الوحيد في البلاد، نتيجة للاشتباكات العسكرية التي استمرت في الخرطوم لحوالي عامين. فقد المركز، الذي يُعتبر منارة عالمية لدراسة الورم الفطري، عقودًا من البيانات الحيوية والمحتوى البيولوجي، مما يهدد حياة آلاف المرضى ويعيق الأبحاث المستقبلية.

مرض المايستوما: خطر يهدد الفقراء في المناطق الريفية

يُعد المايستوما من الأمراض المتوطنة في المناطق الريفية بالسودان، وينتشر بشكل خاص في ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض وشمال دارفور. ينتج المرض عن دخول بكتيريا أو فطريات إلى الجسم غالبًا عبر وخز الشوك في الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى تدمير خبيث للجلد والعظام والعضلات. وقد صنفته منظمة الصحة العالمية في 2016 ضمن قائمة الأمراض المدارية المهملة نظرًا لعدم وجود علاج فعال وتأثيره المدمر على صحة الفقراء، الذين غالبًا ما يعيشون في مناطق يصعب الوصول فيها إلى الرعاية الصحية.

الدكتورة بخيتة عثمان، الخبيرة الزراعية، أوضحت أن المرض “يصيب الفقراء، ويجعلهم غير قادرين على العمل، ويتعرض المرضى للعزلة الاجتماعية بسبب التقرحات المصاحبة له”. وأضافت أن المايستوما يؤثر عادة على القدمين، ويؤدي إلى عدوى مزمنة يمكن أن تتطور إلى تشوهات شديدة، قد تصل إلى الإعاقة أو البتر، كما يسبب مضاعفات نفسية مثل الانطوائية بسبب التشوهات والإفرازات.

خسائر كبيرة وتأثير كارثي على الأبحاث والمرضى

أكد الدكتور أحمد الفحل، مؤسس ومدير مركز أبحاث المايستوما، أن الورم الفطري يصيب السكان في المناطق النائية، خصوصًا أولئك الذين يتنقلون حفاة، ومنهم العمال الميدانيون والأطفال. وأشار إلى أن العلاج يمثل تحديًا بسبب ندرة الأدوية باهظة الثمن وآثارها الجانبية الخطيرة، حيث قد يستمر العلاج لأشهر وفي الحالات الشديدة قد يؤدي المرض إلى الوفاة، وغالبًا ما يكون البتر هو الحل الأخير.

تدمير المركز يعني فقدان كل المحتوى الموجود في بنوكه البيولوجية، والتي تحتوي على بيانات تمتد لأكثر من 40 عامًا، وهو ما يمثل خسارة فادحة للباحثين حول العالم ويعطل الجهود لفهم المرض وتطوير علاجات جديدة.

تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 20% من مرضى المايستوما، وهم من الفئات الأفقر، تعرضوا للبتر (قدم أو ساق أو يد) نتيجة لتأخر العلاج وصعوبة الحصول عليه.

مركز أبحاث المايستوما: منارة علمية ورعاية شاملة

تأسس المركز عام 1991 برعاية جامعة الخرطوم، وهو الوحيد عالميًا المتخصص في دراسة الورم الفطري. لم يكن مجرد مرفق علاجي، بل كان مركزًا شاملًا للتعامل مع المايستوما من مختلف الجوانب، من بينها:

  • تقديم الرعاية الصحية والعلاج المجاني لنحو 12 ألف مريض سنويًا، وشمل التشخيص والعلاج والدعم النفسي والاجتماعي، مع إجراء آلاف العمليات الجراحية بما في ذلك البتر.
  • إجراء بحوث علمية متقدمة، منها تجارب سريرية لعقاقير واعدة مثل “فوسرافوكونازول” بالتعاون مع مبادرة الأدوية للأمراض المهملة (DNDi) وشركة “إيساي” اليابانية.
  • تقديم خدمات تشخيصية متطورة، منها فحوصات الحمض النووي (DNA) لتحديد مسببات المرض بدون تكلفة.
  • حملات توعية مستمرة للمجتمع حول المرض وأهمية الوقاية والعلاج المبكر.
  • تدريب طلاب الطب والعاملين في مجال الصحة على تشخيص وعلاج المايستوما لتعزيز القدرات المحلية.
  • بناء شبكة تعاون دولية مع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية وجامعة ناغازاكي.

دعوة عاجلة لإعادة بناء المركز واستئناف العمل

تسلط الكارثة الصحية الناجمة عن تدمير مركز أبحاث المايستوما الضوء على هشاشة البنية التحتية الصحية في السودان، خاصة للمرضى من الفقراء والفئات المهمشة. وتعكس الأوضاع المزرية الحاجة الماسة لتوفير الدعم والرعاية الصحية الملائمة.

الدعوة اليوم موجهة لكل الجهات المعنية، سواء المحلية أو الدولية، للعمل بسرعة على إعادة بناء المركز وتأمين مستلزمات البحث والعلاج، ليتمكن من مواصلة دوره الحيوي في إنقاذ حياة آلاف المرضى من الفقراء والمزارعين والرعاة والأطفال.

nabdsudan.net