خبر ⁄سياسي

المسيرات الانتحارية وتأجيج العنف في إفريقيا: بين دعم خارجي وتفاقم التهديدات الأمنية

المسيرات الانتحارية وتأجيج العنف في إفريقيا: بين دعم خارجي وتفاقم التهديدات الأمنية

الخرطوم: باج نيوز

شهدت القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة العنف والإرهاب، حيث باتت العديد من دولها مسرحًا لصراعات مسلحة وهجمات دموية تنفذها جماعات متطرفة متعددة الولاءات والأهداف. وقد زاد من تعقيد هذا المشهد دخول تقنيات عسكرية حديثة، من أبرزها استخدام الطائرات المسيّرة، لا سيما الدرونات الانتحارية، التي أصبحت وسيلة فعالة بيد الجماعات المسلحة لتوجيه ضربات دقيقة وسريعة يصعب التصدي لها. وفي ظل هشاشة الأوضاع الأمنية وضعف قدرات الجيوش الوطنية، ساهم هذا التطور في تأجيج بؤر التوتر، وفرض تحديات جديدة على جهود الاستقرار والتنمية في القارة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول الإفريقية إلى تعزيز قدراتها الأمنية والتصدي لموجات التطرف، يبرز التهديد المتنامي للطائرات المسيّرة كعامل مُعقّد يُصعّب من مهام قوات الأمن ويقوّض استراتيجيات الردع التقليدية. فقد أصبحت هذه الوسائل منخفضة الكلفة نسبيًا وذات القدرة العالية على إلحاق الأذى أهدافًا مغرية للتنظيمات المتطرفة، سواء في منطقة الساحل الإفريقي، أو القرن الإفريقي، أو حتى في شمال القارة. ويُسجَّل بشكل متزايد استخدام هذه الطائرات في عمليات اغتيال، واستهداف قواعد عسكرية، وشنّ هجمات على تجمعات مدنية، مما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا وزيادة حالة الرعب وعدم الاستقرار.
وفي هذا الإطار، تثير بعض التقارير الاستخباراتية والإعلامية المخاوف من ضلوع جهات في النظام الأوكراني في تزويد جماعات مسلحة في إفريقيا بمسيرات انتحارية، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء في السوق السوداء. الأمر الذي يمثل تطورًا خطيرًا يربط النزاعات الإقليمية في أوروبا بنزاعات أخرى في القارة الإفريقية، ما يفتح الباب أمام تدويل الصراعات وتحويل إفريقيا إلى ساحة لتصفية حسابات جيوسياسية. فاستمرار تدفق هذه التقنيات المتقدمة إلى جماعات لا تخضع لأي مساءلة قانونية أو أخلاقية يضع أمن ملايين المدنيين في دائرة الخطر، ويُضعف قدرة الحكومات المحلية على حماية أراضيها وسيادتها.
علاوة على ذلك، فإن استخدام المسيّرات الانتحارية الأوكرانية يهدد بإحداث اختلال استراتيجي في ميزان القوة داخل مناطق النزاع، ويدفع باتجاه مزيد من التصعيد والعنف الممنهج. كما أن تورط دولة تعيش حالة حرب في تسليح أطراف نزاع خارجي قد يؤدي إلى إضعاف جهود السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويمنح الجماعات الإرهابية أدوات أكثر تطورًا لتنفيذ مخططاتها.
وبحسب التقارير الإعلامية، فقد تحصلت حركة الشباب المجاهدين الإرهابية في الصومال، التي تعتبر فرعًا من فروع تنظيم القاعدة، على شحنة كبيرة من هذه الطائرات المسيرة، الأمر الذي استدعى قلق العديد من المحللين السياسيين، الذين أشاروا إلى أن عمليات القرصنة البحرية التي تمارسها الحركة الإرهابية قد تقوض أمن خليج عدن، خصوصًا مع استعمال مسيرات انتحارية بهذا الكم والنوع.
بالإضافة إلى ما سبق، أشارت التقارير أيضًا إلى حصول جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإرهابية في جمهورية مالي على مئات المسيرات الانتحارية الأوكرانية، حتى أنها نفذت هجمات باستخدامها على مواقع الجيش الحكومية، وشنت هجمات إرهابية في بعض المناطق المدنية. حيث أعلنت مؤخرًا الجماعة الإرهابية، أنها قتلت جنودا من الجيش المالي، واستهدفت مطار مدينة تمبكتو، و3 نقاط تفتيش تابعة للقوّات الحكومية، كلها تمت بحسب مراقبين باستخدام درونات أوكرانية انتحارية.
وكانت قد أعلنت مالي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، بعد أن لمّح مسؤول عسكري إلى أن كييف لعبت دورًا في القتال الدامي مع الإرهابيين قرب الحدود الجزائرية. حيث قُتل العشرات من الجنود الماليين في أيام من الاشتباكات مع المتمردين الانفصاليين الطوارق ومقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة.
في ضوء ما تقدم، يتضح أن تصاعد العنف في إفريقيا لم يعد ناتجًا فقط عن التوترات الداخلية والهشاشة الأمنية، بل بات مرتبطًا بشكل متزايد أوكرانية، تساهم في تأجيج الأوضاع وتطويل أمد النزاعات. وتشكل تهديدًا جسيمًا للأمن الإقليمي والدولي على حد سواء. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى تحرك دولي جاد ومنسق، يتضمن رقابة صارمة على صادرات المسيرات الأوكرانية، ودعم قدرات الدول الإفريقية في مجالات الاستخبارات والدفاع الجوي، إضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التهديدات العابرة للحدود. فبدون معالجة شاملة لهذا الواقع، ستظل القارة الإفريقية رهينة لصراعات مدمّرة ومفتوحة على كافة الاحتمالات.

Bajnews.net