حرب المسيرات فاصل جديد في الصراع السوداني

بورتسودان، 8 يونيو 2025– تتزايد المخاوف بشأن أمد الحرب في السودان ومآلاتها النهائية، في أعقاب سلسلة من الهجمات الدقيقة بطائرات بدون طيار استهدفت مواقع استراتيجية في بورتسودان وكوستي والخرطوم ومروي، مُخلِّفةً أضراراً جسيمة.
يرى مراقبون أن الهجمات الأخيرة التي نفذتها قوات الدعم السريع بالطائرات المسيّرة تكشف عن أبعاد متعددة، أبرزها محاولة فرض واقع جديد في مسار الحرب عبر السيطرة على الأجواء، وتعزيز نفوذها في مواجهة الجيش السوداني والسلطة القائمة في بورتسودان.
وبينما يفسرها البعض بأنها رسالة ضغط إضافية على رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لقبول الجلوس معها على مائدة المفاوضات، ينظر إليها خبراء الطيران العسكري كتهديد استراتيجي يجب أخذه على محمل الجد، بالنظر إلى الأضرار المحتملة التي قد تلحقها بالبلاد.
وكان دبلوماسي غربي صرّح لـ “سودان تربيون” في وقت سابق بأن “الطرف الذي يعتقد أنه منتصر غالباً ما يفتقر إلى الحافز الكافي للتفاوض بجدية أو تقديم تنازلات”.
إلا أنه أكد أن اللهجة التفاوضية لدى قادة الجيش والدعم السريع قد تغيرت مؤخراً، إذ يعتقد كل طرف أنه حقق انتصارات تجعله يمسك بزمام المبادرة.
وشدد الدبلوماسي على أن انتقال الصراع في السودان إلى مواجهات جوية “يُدخل البلاد في وضع جديد بالغ التعقيد”، خاصة في ظل التدخلات الإقليمية والدولية في النزاع.
تفاصيل الهجمات
من جانبه، كشف مصدر في قوات الدعم السريع لـ “سودان تربيون” عن شن 17 هجوماً على أهداف استراتيجية في بورتسودان، وأم درمان، وكوستي، وعطبرة، ومروي، مؤكداً تعرض قاعدة وادي سيدنا العسكرية لهجوم في شهر مايو. ورفض المصدر تحديد المواقع التي انطلقت منها هذه المسيّرات، أو الكشف عن أماكن تمركزها أو هوية الأطقم التي تشرف عليها.
وفي نهاية مايو المنصرم، استولى الجيش السوداني على اسلحة حديثة ومسيرات من مختلف الانواع واجهزة تشويش عند اعادة قبضته على مدينة الصالحة في جنوب امدرمان.
في هذا السياق، يوضح الخبير العسكري والعميد المتقاعد في سلاح الجو السوداني، عادل عبد اللطيف، في حديثه لـ “سودان تربيون”، أن المسيّرات التي هاجمت أهدافاً استراتيجية مؤخراً هي من فئة “MALE” (Medium-Altitude Long-Endurance)، التي تتميز بقدرتها على التحليق على ارتفاعات متوسطة تصل إلى 30 ألف قدم، والبقاء في الجو لنحو 30 ساعة.
وأضاف أن هذه الطائرات قادرة على تنفيذ مهام استخباراتية ومراقبة واستطلاع (ISR)، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات قتالية متنوعة.
من ناحية أخرى، تشير تقديرات حكومية إلى أن قوات الدعم السريع استخدمت طائرات مسيّرة صينية استراتيجية من طراز “FH-95” في هجماتها الدقيقة الأخيرة. وتُعد “FH-95″، التي تطورها شركة “ATFTC” الصينية، طائرة متعددة المهام ذات مدى متوسط وطويل، قادرة على تنفيذ مهام هجومية واستطلاع مسلح ومراقبة في جميع الظروف الجوية، ويصل مداها العملياتي إلى 12 ساعة طيران، مع وزن إقلاع يبلغ 850 كيلوغراماً.
ولفت الخبير عبد اللطيف إلى “قدرة هذه الطائرات القتالية (UCAV) على إصابة أهدافها بدقة متناهية، وتجهيز بعضها بأنظمة تشويش متقدمة تستطيع تحييد وسائل الدفاع الجوي”.
وذكر أن المسيّرات الحديثة يمكنها جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن الأهداف، بما في ذلك تمركز القوات وتحركاتها والدفاعات المتاحة، ومن ثم توجيه ضربات فتاكة.
من يسيطر على الأجواء؟
اعتبر عبد اللطيف أن سلاح الجو السوداني “فقد السيطرة الكاملة على المجال الجوي للبلاد”، بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع من كسر هذا الاحتكار ومشاركته السيطرة.
وأكد أن لجوء الجيش لاستخدام المسيّرات يقتصر حالياً على المستوى التكتيكي، كدعم للتشكيلات العسكرية في المعارك وتقديم الإسناد الناري للقوات المتقدمة، بالإضافة إلى ضربات استراتيجية محدودة كالتي استهدفت مطار نيالا.
في المقابل، تشن قوات الدعم السريع ضربات استراتيجية تستهدف مواقع عسكرية، سدوداً، مطارات، محطات كهرباء، ومستودعات وقود، وهو ما شدد عبد اللطيف على أن له “تأثيراً مباشراً وكبيراً على قدرات الجيش وتمويله للحرب وقدرته على مواصلة القتال”.
وحول الهجوم على بورتسودان، رأى الخبير أن انطلاق الهجوم من جهة البحر الأحمر لا يعني بالضرورة قدوم المسيّرات من خارج البلاد، موضحاً أن “الاقتراب من البحر لإصابة الأهداف الأرضية يتيح للطائرة قدرة أفضل على التموضع والمناورة، ويوفر لها فرصة أكبر للعودة إلى قاعدة الإطلاق”.
وأكد أن التصدي لهذه الهجمات يتطلب “قوة جوية فعالة ومنظومة دفاع جوي متكاملة، وهو ما يبدو غير متوفر حالياً”.
وفي نهاية مايو الماضي، استهدفت ضربة جوية مركزة قاعدة وادي سيدنا، أكبر القواعد العسكرية للجيش، وسط تلميحات بتورط جهات خارجية في توجيه الضربة. وبينما أعلنت قوات الدعم السريع مسؤوليتها، لم يصدر تعليق رسمي من الجيش.
واستبعد عبد اللطيف، بناءً على حسابات الطيران، أن تكون إسرائيل قد نفذت الهجوم على وادي سيدنا باستخدام مسيّراتها، “فالبديل الوحيد هو استخدام مقاتلة بعيدة المدى، وهو ما لم يحدث”. كما استبعد إمكانية شن هجوم من دول الجوار مثل تشاد، أو دول أبعد كالإمارات، على أهداف في بورتسودان وأم درمان.
وختم حديثه بالقول إن “تحقيق نصر حاسم وكامل لأي من الطرفين أمر مستبعد، نظراً لصعوبة تعويض الخسائر في الجانبين”، مشيراً إلى أن الخسائر تكون أكبر في صفوف القوات الجوية، لأن تعويض معداتها وأطقمها يتطلب موارد ضخمة ووقتاً طويلاً.
ودعا في ختام حديثه الأطراف المتحاربة إلى “المضي قدماً في سبيل وقف الحرب وإنهاء نزيف الدماء واستنزاف مقدرات البلاد البشرية والاقتصادية”.
sudantribune.net