شيء للوطن.. م.صلاح غريبة يكتب :وزارة تنظيم السودانيين العاملين بالخارج: ضرورة أم محاصصة جديدة

تثير الأنباء المتداولة عن عزم حكومة رئيس الوزراء كامل إدريس استحداث وزارة جديدة تُعنى بشؤون السودانيين العاملين والمهاجرين بالخارج جدلاً واسعًا في الساحة السودانية. فبينما يرى البعض فيها ضرورة ملحة لمعالجة قضايا المغتربين المتزايدة، يتخوف آخرون من أن تتحول هذه الوزارة إلى مجرد محاصصة سياسية جديدة تضاف إلى الهيكل الحكومي المتضخم، وتضيع معها الأهداف الحقيقية التي من أجلها أنشئت.
يكمن القلق الأكبر في أن تتحول هذه الوزارة الوليدة إلى إحدى وزارات المحاصصة التي لا تخدم سوى أجندات سياسية ضيقة، بعيدًا عن مصالح المغتربين الحقيقية. ففي ظل التشكيلات الحكومية السابقة، شهدنا كيف أن بعض الوزارات قد فقدت هويتها وأهدافها الأساسية بعد تعيين وزراء لا يمتلكون الكفاءة أو الخبرة اللازمة، أو من يتم اختيارهم بناءً على تصنيفات حزبية أو قبلية بحتة. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تهميش قضايا المغتربين المعقدة والمتنوعة، وتحويل الوزارة إلى واجهة شكلية تفتقر إلى الفاعلية والتأثير.
إذا تم تعيين وزير لا يمثل كل أطياف السودانيين بالخارج، أو كان له انتماءات ضيقة، فإن ذلك سيقوض ثقة المغتربين في هذه الوزارة، ويجعلها عاجزة عن تمثيل مصالحهم بصدق. فالمغتربون السودانيون يمثلون شريحة واسعة ومتنوعة، تشمل الكفاءات والعمالة الماهرة، وتواجه تحديات مختلفة تتطلب فهمًا عميقًا وتعاملاً شاملاً.
إن الحاجة إلى وزارة متخصصة لشؤون المغتربين ليست مجرد ترف حكومي، بل هي ضرورة ملحة تفرضها التحديات التي يواجهها السودانيون بالخارج، والدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه في دعم الاقتصاد الوطني. لكي تحقق هذه الوزارة أهدافها المرجوة، يجب أن ترتكز على عدة محاور أساسية:
حماية حقوق المغتربين وتقديم الدعم القانوني: يواجه العديد من السودانيين بالخارج تحديات قانونية ومعيشية في دول المهجر. يجب أن تعمل الوزارة على توفير الحماية القانونية لهم، وتقديم المشورة والدعم اللازم في حالات النزاعات أو المشاكل التي قد يتعرضون لها.
تسهيل الإجراءات والخدمات القنصلية: يعاني المغتربون من تعقيد الإجراءات القنصلية والبيروقراطية. يجب أن تسعى الوزارة لتبسيط هذه الإجراءات، وتسهيل حصولهم على الوثائق الرسمية، وتوفير خدمات قنصلية سريعة وفعالة.
تشجيع الاستثمار وتحويلات المغتربين: يمثل المغتربون مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة وتحويلاتهم تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد السوداني. يجب أن تعمل الوزارة على تشجيع هذه التحويلات عبر آليات رسمية وميسرة، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار للمغتربين في السودان، مع حماية استثماراتهم وتقديم الضمانات اللازمة.
ربط الكفاءات السودانية بالخارج بالوطن: يمتلك السودان ثروة هائلة من الكفاءات والخبرات المنتشرة في مختلف دول العالم. يجب أن تعمل الوزارة على إنشاء قاعدة بيانات لهذه الكفاءات، وتسهيل ربطهم بالوطن للاستفادة من خبراتهم في مجالات التنمية المختلفة، سواء عبر برامج استشارية أو مشاريع عودة مؤقتة.
معالجة قضايا العودة الطوعية وإعادة الاندماج: في بعض الأحيان، يضطر المغتربون للعودة إلى الوطن لأسباب مختلفة. يجب أن توفر الوزارة برامج لدعم العائدين، ومساعدتهم على إعادة الاندماج في المجتمع وسوق العمل، وتذليل العقبات التي تواجههم.
تعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي: تلعب الوزارة دورًا في الحفاظ على الهوية السودانية بين الأجيال الجديدة من المغتربين. يجب أن تعمل على تعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي، ودعم المبادرات التي تحافظ على التراث السوداني في الخارج.
في الختام، إن استحداث وزارة لشؤون السودانيين العاملين والمهاجرين بالخارج يمكن أن يكون خطوة إيجابية إذا تم بناؤها على أسس سليمة، وبعيدًا عن منطق المحاصصة السياسية. فالمغتربون السودانيون هم عماد أساسي للاقتصاد الوطني، وكيان اجتماعي لا يمكن تجاهل دوره. وبالتالي، فإن نجاح هذه الوزارة يعتمد على قدرتها على تمثيل جميع أطياف المغتربين، وتوفير الخدمات التي تلبي احتياجاتهم الحقيقية، بما يسهم في دعم الوطن وتنميته. هل ستنجح حكومة كامل إدريس في تحقيق هذه الأهداف الطموحة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار
azzapress.com