خبر ⁄سياسي

خلاف داخلي في إدارة ترمب حول الاستراتيجية تجاه إيران

خلاف داخلي في إدارة ترمب حول الاستراتيجية تجاه إيران

لا يزال الغموض يحيط بمصير المفاوضات الأميركية - الإيرانية بعد شهرين على انطلاقها، وسط شكوك حول إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي أو الانزلاق نحو «عواقب لن تكون جميلة»، بحسب ترمب. ويأتي هذا الغموض في ظل تحليلات وتسريبات متزايدة في الصحافة الأميركية، تشير إلى أن ترمب يواجه ضغوطاً متصاعدة من تيارين متباينين داخل إدارته: الأول، تيار «انعزالي» من أنصار شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً»، يفضل استمرار المسار الدبلوماسي الذي يتولاه مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف؛ والثاني، تيار «الصقور» المحافظين، الذي يضغط من أجل التخلي عن الدبلوماسية والانخراط مع إسرائيل في عمل عسكري ضد طهران.

واجتمع ترمب، الأحد، بفريقه للسياسة الخارجية في كامب ديفيد لبحث الاستراتيجية الأميركية بشأن إيران وغزة، وسط تأكيد من مسؤولين أن الأزمتين مترابطتان في سياق إقليمي أوسع وفقاً لموقع «أكسيوس». شارك في الاجتماع كبار المسؤولين، بينهم نائبه ووزيرا الخارجية والدفاع، إلى جانب مسؤولي الاستخبارات والجيش. وقال ترمب إن «جنرالات وأدميرالات» حضروا أيضاً، لكنه امتنع عن كشف التفاصيل، فيما أشار مسؤول إلى أن اللقاء أتاح نقاشاً معمقاً في ظل تسارع التطورات.

صراع بين «الصقور» والانعزاليين

تشير تسريبات إلى أن الرئيس ترمب يتلقى إحاطات متكررة من «الصقور» المحافظين، تشير إلى أن إيران على بعد أيام من امتلاك سلاح نووي، وهي رواية عدّها مسؤول استخباراتي غير دقيقة وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية.

ترمب محاطاً بوزير الدفاع بيتر هيغسيث (يمين الصورة) ووزير الخارجية ماركو روبيو خلال اجتماع في البيت الأبيض فبراير الماضي (إ.ب.أ)

ولا يقتصر ضغط هذا التيار على حثّ ترمب للسماح بضرب المواقع النووية الإيرانية، وهو خيار رفضه مراراً وطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الامتناع عنه خلال المفاوضات، بل يشمل أيضاً حملة علنية ضد مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف.

في المقابل، يراقب أنصار حركة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» بحذر تصعيد التيار المحافظ المتشدد، خصوصاً الهجوم الإعلامي الذي تقوده صحف موالية للصقور ضد المفاوضات وويتكوف، ما أثار غضب الداعمين للمسار الدبلوماسي. وقال مسؤول كبير لصحيفة «بوليتيكو» إنهم «يحاولون دفع الرئيس لاتخاذ قرار لا يريده». وأضاف أن هناك جماعة ضغط تدفع باتجاه الحرب مع إيران، في مواجهة تيار أقرب لترمب، يدرك أنه هو من أقنع طهران بالعودة إلى طاولة التفاوض.

الخلاف قد يفيد إيران

يثير مراقبون تساؤلات حول ما إذا كان فعلاً هناك فصيلان داخل إدارة ترمب يتنازعان التأثير على قراراته بشأن الملف النووي الإيراني، ومدى انعكاس ذلك على موقف واشنطن. كما يتساءلون كيف تنجح طهران، رغم الضغوط ومزاعم الضعف، في الصمود خلال المفاوضات مع واشنطن.

ويرى فرزين نديمي، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بمعهد واشنطن، أن خلافات داخل الإدارة الأميركية حول كيفية التعامل مع إيران تبدو واضحة، وإن لم يكن مطّلعاً على التفاصيل. ويرجّح أن تستغل طهران هذه الانقسامات لتعزيز موقعها التفاوضي، سواء عبر كسب الوقت أو لإثارة الشكوك.

لكن حتى داخل الفريق المؤيد للدبلوماسية، هناك قلق من تقلبات ترمب. فرغم دعمه الرسمي للمفاوضات، سبق أن هدّد بقصف إيران، ما يُعدّ في نظر البعض مجرد استعراض تفاوضي. ويقول مصدر مطلع لموقع «بوليتيكو»: «ترمب واضح فيما يريده، ويدع ويتكوف يعمل بحرية، لكنه قد يبدّل رأيه حسب من يستمع إليه».

أما باراك بارفي، الباحث في مؤسسة «نيو أميركا»، فيرفض توصيف الوضع بصراع بين فصيلين، معتبراً أن هناك فصيلاً واحداً يسعى للتأثير على الرئيس. ويرى أن الانقسامات الأميركية بشأن إيران أعقد من تصنيفات تقليدية، وتشمل تيارات مرتبطة بإسرائيل، ومؤيدي الهيمنة الأميركية، وغيرهم.

ترمب ليس انعزالياً

ورغم الدفع نحو الدبلوماسية، يؤكد بعض «الصقور» أن ترمب أوضح استعداده لاستخدام القوة العسكرية إذا اقتضى الأمر، ويعتبرون أن السعي إلى الحلول الدبلوماسية بأي ثمن يُسيء فهم نواياه. فترمب، في رأيهم، ليس انعزالياً كما يُروج، والدليل على ذلك سماحه بقصف اليمن، وقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي. «لقد فعل ما يجب فعله»، كما يرددون.

وقد عبّر ترمب بالفعل عن تشككه في جدوى التفاوض، خلال حديثه إلى الصحافيين بعد ظهر الاثنين. فبينما أشار إلى أن محادثات مع إيران ستُعقد الخميس، وأنه سيطّلع على تقرير من مبعوثه ستيف ويتكوف، الجمعة، قال إن الإيرانيين «يطالبون بما لا يمكن قبوله». وأضاف: «لا يريدون التخلي عما يجب التخلي عنه، وهو التخصيب. لا يمكننا السماح بالتخصيب. نريد العكس تماماً. وحتى الآن، لم يصلوا إلى هذا الموقف». وختم قائلاً: «أكره قول ذلك؛ لأن البديل سيكون مروعاً».

ترمب يلتقي نتنياهو بحضور جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو في المكتب البيضاوي أبريل الماضي (أ.ب)

ويرى حلفاء الرئيس ترمب وبعض مسؤولي إدارته، الذين يحذرون من خيار العمل العسكري، أن بعض القصص المتداولة في وسائل الإعلام المحافظة ليست سوى «خدع» يروّج لها المتشددون والجماعات الداعمة للتصعيد، خاصة تلك المتحالفة مع إسرائيل.

وقدّرت الاستخبارات الأميركية ما يُعرف بـ«زمن الاختراق النووي» الإيراني - أي الوقت الذي تحتاج إليه طهران لإنتاج ما يكفي من المواد اللازمة لصنع سلاح نووي - بنحو أسبوع إلى أسبوعين. ومع ذلك، لا تزال التقديرات تشير إلى أن إيران لم تتخذ بعد قراراً بالسعي الفعلي إلى امتلاك سلاح نووي. وفي حال قررت المضي في هذا المسار، تختلف آراء الخبراء والدبلوماسيين بشأن المدة اللازمة لصنع القنبلة، وتتراوح التقديرات بين بضعة أشهر وأكثر من عام.

ويسلّط الخلاف العلني داخل إدارة ترمب الضوء على انقسام عميق في صفوف الحزب الجمهوري بشأن السياسة الخارجية الأميركية. ففي حين ينظر العديد من رموز «الحرس القديم» المحافظين بقدر من الشك إلى جهود ستيف ويتكوف الدبلوماسية، يتمسك الجناح الأكثر تحفظاً داخل الحزب بضرورة تهدئة التوترات مع طهران.

وكان ويتكوف قد قدم مؤخراً مقترحاً لإيران يتضمن السماح لها بتخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة، على أن تُدمج لاحقاً في اتحاد تخصيب إقليمي. لكن إيران أوضحت رفضها التخلي عن قدراتها المحلية في مجال التخصيب، وهو ما يعدّه ترمب خطاً أحمر. ويواصل ويتكوف جهوده لسدّ هذه الفجوة من خلال طرح تسوية مقبولة إقليمياً، إلا أن طهران لم تُصدر رداً رسمياً على المقترح حتى الآن.

إيران تقاوم الضغوط

ويعتقد الباحث فارزين نديمي أن طهران لن تتخلى عن دورة الوقود النووي، وقد يوافق - في أفضل الأحوال - على تقييدها أو تعليقها مؤقتاً. وقال: «أعتقد أن هذا كان واضحاً منذ البداية، لكن الإدارة الأميركية لا تزال تأمل بطريقة ما في إقناع إيران بالتخلي الكامل عن التخصيب».

وأضاف أن إيران، «رغم كونها في أضعف حالاتها إقليمياً منذ 25 عاماً، لا تزال قوية داخلياً ومن منظور عسكري»، مشيراً إلى أن «الأضرار التي لحقتها بفعل الهجمات الإسرائيلية في أبريل وأكتوبر (تشرين الأول) قد أُصلحت أو استُبدلت بالفعل. ومع ذلك، تبقى إيران في وضع اقتصادي واجتماعي هش للغاية بسبب سنوات من الفساد وسوء الإدارة والتصلب السياسي، لكنها ليست هدفاً سهلاً من الناحية العسكرية».

من جانبه، يوضح الباحث باراك بارفي أن طهران تمكنت من التكيّف مع العقوبات، نظراً لعزلتها الطويلة منذ ثورة 1979؛ إذ اعتادت تجنّب الاعتماد على الغرب. كما استفادت من صعود قوى معادية للمنظومة الليبرالية، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، حيث تبيع النفط للصين خارج الأطر القانونية، وتحصل على تكنولوجيا روسية مقابل تزويد موسكو بطائرات مسيّرة.

aawsat.com