خبر ⁄سياسي

لام دينق نوت شول يكتب: برمودا الصحرواي

لام دينق نوت شول يكتب: برمودا الصحرواي

في أقصى الجنوب الغربي لمصر، والشمال الشرقي لليبيا، وشمال غرب السودان، تقع منطقة جغرافية نائية تُعرف بالمثلث الحدودي، وهي واحدة من أكثر النقاط حساسية في شمال أفريقيا رغم غياب الوجود السكاني والعمراني فيها. هذه المنطقة الصحراوية، التي تبدو في ظاهرها مجرد امتداد جغرافي مهمل، تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مساحة نشطة عسكريًا واستخباراتيًا تشكّل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي لكل من السودان ومصر وليبيا، فضلًا عن تأثيراتها المحتملة على استقرار الإقليم بأسره.

عسكريًا، يتمتع هذا المثلث بأهمية استراتيجية حاسمة لأنه يمثّل نقطة عبور طبيعية للقوات والمعدات والآليات من دون المرور عبر المعابر الرسمية، ومن دون الخضوع لرقابة رادارية أو أمنية فعالة. هذه الطبيعة المفتوحة جعلت من المثلث ممرًا رئيسيًا لعمليات تهريب السلاح والمقاتلين بين ليبيا والسودان، وفتحت الباب أمام تشكيل قواعد انطلاق خلفية للمليشيات العابرة للحدود، وعلى رأسها قوات الدعم السريع السودانية المدعومة خارجيًا، وبعض الكتائب الليبية الممولة من قوى أجنبية. أي قوة عسكرية تسيطر فعليًا على المثلث يمكنها أن تنفذ عمليات هجومية داخل العمق السوداني وتحديدًا غرب دارفور، أو أن تشكّل خطرًا على الخاصرة الغربية لمصر، أو تتجه جنوبًا لتوسيع النفوذ الليبي في المناطق الحدودية المتاخمة للسودان وتشاد.

الاستخدام العسكري لهذه المنطقة لا يقتصر على الحركات غير النظامية، بل امتد ليكون جزءًا من الحسابات الأمنية لدول إقليمية تسعى لبسط نفوذها بعيدًا عن أعين المجتمع الدولي. وقد رُصد في المثلث تحركات لآليات عسكرية مدعومة من دول خليجية، يتم تسييرها عبر الحدود الليبية لنقل أسلحة ومعدات إلى مليشيات في السودان، وهو ما يمنح هذه الأطراف القدرة على قلب موازين القوى في دارفور متى شاءت. وبالمثل، فإن المثلث يُستخدم في تخزين الطائرات بدون طيار، وإطلاقها من مناطق غير مرصودة لاستهداف مواقع الجيش السوداني أو لتأمين سماء المليشيات خلال تحركاتها البرية، ما يجعل من هذه الرقعة الصحراوية قاعدة لوجستية هجومية من الطراز الأول.

أما من الناحية الاستخباراتية، فإن المثلث أصبح فعليًا ساحة خفية لتقاطع مصالح أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية. هناك نشاط مكثف لعناصر تعمل تحت غطاء قبلي أو تجاري أو حتى ضمن منظمات إغاثة، وهي في الواقع أدوات لجمع المعلومات أو تمرير معدات مراقبة وتنصت نحو الداخل السوداني والمصري. وقد تم توثيق وجود محطات تنصت متنقلة في المنطقة، تُستخدم لاعتراض الاتصالات العسكرية والقبلية في دارفور والكفرة والعوينات، ما يوفّر قدرة هائلة على اختراق البنية الأمنية للدول الثلاث من هذه البقعة المهملة ظاهريًا. كذلك يُستخدم المثلث كمحطة تبديل لعناصر استخبارات أجنبية تدخل من ليبيا وتعيد تمركزها باتجاه السودان عبر طرق غير شرعية، مستفيدة من انعدام الرقابة الرسمية على الحدود الطويلة والمعقدة التي تخترق الصحراء.

الخطورة الأكبر لا تكمن فقط في كونه ممرًا ومخبأً، بل في تحوّله إلى مركز تنسيق عمليات عابرة للحدود، تشارك فيها جهات غير حكومية مدعومة من دول أجنبية، تستخدم المثلث لإعادة رسم خرائط السيطرة والنفوذ داخل السودان وليبيا، وتهدد الاستقرار الحدودي مع مصر. السيطرة على هذه المنطقة تعني امتلاك حرية حركة في أكثر ثلاث دول هشاشة على المستوى الحدودي، وتعني كذلك امتلاك قدرة استخباراتية استباقية لرصد أي تحرك داخل عمق كل دولة منها، بما يشبه امتلاك غرفة عمليات متقدمة خلف خطوط العدو.

المثلث الحدودي ليس مجرد نقطة جغرافية. هو اليوم ثغرة استراتيجية، وقاعدة خلفية للحروب بالوكالة، وملاذ آمن لتحركات استخباراتية لا تُرصد بالأقمار الصناعية أو عبر البعثات الأممية. كل دقيقة تمر دون مراقبة محكمة لهذا المثلث، تُتيح لمزيد من العتاد والمعلومات والمرتزقة عبور حدود ثلاث دول نحو صراعات لن تتوقف عند الفاشر أو الكفرة أو العوينات، بل ستمتد نحو عواصم جديدة إذا لم يتم إدراك حقيقة أن هذه الصحراء البعيدة هي أخطر مما تبدو عليه الخرائط. من يسيطر على المثلث يملك القدرة على تهديد ثلاث دول، ومن يستهين به يفتح بوابة خلفية للفوضى.

Bajnews.net