الدبيبات.. انتهاكات ونزوح جماعي ومعاناة مستمرة

منتدى الإعلام السوداني
تقرير / صديق الدخري
الدبيبات، 16 يونيو 2025- منصة (مشاوير)
منذ مايو 2023 باتت مدينة (الدبيبات) بولاية جنوب كردفان مسرحا للصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع. وبدءا من ذلك الوقت لم يتوقف نزيف الدم وصاحبته سلسلة من الانتهاكات والنهب والتهجير القسري والاختطاف والاغتصاب.
لقد شهدت المنطقة أكثر الأيام سواداً على مدى تاريخها، وتوشك أن تفرغ المدينة والقرى المحيطة بها من السكان.
تطل مدينة (الدبيبات) على 3 ولايات سودانية، وتعد المنطقة الحيوية الأهم التي تربط بين (شمال كردفان، جنوب كردفان، وغرب دارفور)، ويقطنها نحو 1,5 مليون شخص.
في مايو 2023 تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على معسكر صغير للجيش في المدينة واستولت على معداته العسكرية، ثم تحولت المنطقة لساحة قتال باستخدام المدافع والطائرات.
ونتيجة للأوضاع الحربية النشطة تشهد المدينة والقرى المجاورة لها أوضاعا إنسانية وأمنية متدهورة، وتشهد العمليات العسكرية تصعيدا غير مسبوق، ما خلّف موجة جديدة من القتل والترويع والنزوح الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق المدنيين.
نزوح جماعي ومعاناة
في الأثناء، نزح الآلاف من سكان منطقة (الدبيبات) إلى مدينة (الأبيض)، عاصمة ولاية شمال كردفان الواقعة على نحو 100 كيلو، وتتواجد مئات الأسر في العراء وسط ظروف صحية وإنسانية صعبة للغاية، ومن المتوقع أن تتفاقم الأوضاع للأسوأ باقتراب موسم الأمطار.
حسين التوم، أحد النازحين قال لمنصة (مشاوير) “تتواجد في منطقة (الصالحين) بمدينة (الأبيض) حوالي “180” أسرة تعاني ظروف صعبة وتفترش الأرض والعراء في ظروف صعبة، مع وجود أطفال ومسنين ونساء حوامل”.
وأضاف: خلال رحلات النزوح واجهنا معاناة كبيرة.. وصلت مئات الأسر إلى مدينة (الأبيض) سيراً على الأقدام، واستغل آخرون عربات الكارو والعربة (تك تك)، مما أدى إلى تفاقم معاناة أصحاب الأمراض المزمنة وحدوث حالات إجهاض وسط النساء.
وتابع: أبناء المنطقة داخل وخارج السودان شرعوا في ترتيبات لإغاثة النازحين، إذ توجد (تكايا) للطعام تقدم الوجبات اليومية، إلى جانب الأدوية والملابس.
وأشار إلى أن “الأوضاع صعبة وتتطلب تدخل المنظمات الدولية والإقليمية لإغاثة النازحين وتوفير أماكن للسكن بخاصة مع دخول فصل الخريف وصعوبة التواجد في العراء.
هجمات واستغاثة
في غضون ذلك، أدت العمليات العسكرية المتبادلة إلى نزوح جماعي لمئات الأسر من قرى (أولاد يونس) و(عبد المحمود) و(أم قلينه) نحو مدينة (أبوزبد) بولاية غرب كردفان و(الأبيض) بشمال كردفان، ونحو مناطق زراعية بعيدة، يفتقر أغلبها إلى مأوى أو خدمات صحية وغذائية.
وقال أحد المواطنين، فضل حجب أسمه، لمنصة (مشاوير) “نحن ضحايا للطرفين.. من جهة نواجه هجمات “الدعم السريع” وانتهاكات أفراده، ومن الجهة الأخرى نواجه طيران الجيش الذي يقصف الأسواق بلا تمييز.. لم نعد نثق بأي طرف. كلنا ضحايا.”
ويطالب السكان بتدخل عاجل من المنظمات الحقوقية والإنسانية، وفتح ممرات آمنة لإجلاء الجرحى والنساء، كما دعوا إلى تحقيق دولي في الانتهاكات التي وقعت بحق المدنيين العزل.
انتهاكات ومآس
إلى ذلك، شنت قوات الدعم السريع خلال الأسبوعين الماضيين هجمات منسقة على قرى عدة، في حين رد الطيران المسير التابع للجيش بقصف جوي على مناطق مأهولة بالسكان، مما فاقم معاناة المدنيين، ودفع المئات إلى الفرار من منازلهم في ظروف إنسانية صعبة.
في مايو الماضي، اقتحمت قوة من الدعم السريع قرية “أولاد يونس”، وقامت بعملية نهب شاملة طالت المنازل والمحال التجارية والمزارع والمواشي، وفق إفادات شهود عيان وناشطين محليين.
وأسفر الهجوم عن مقتل 6 أشخاص، بينهم امرأة مسنة، وجرح العشرات.
وقال شهود عيان لمنصة (مشاوير) إن جنود من الدعم السريع اقتحموا القرية وهم يطلقون الرصاص في الهواء. دخلوا البيوت دون تمييز، سرقوا كل شيء، حتى أواني الطعام،.. رأينا الناس يفرون من منازلهم وهم يصرخون، أطفالاً ونساءً، إنها ليلة لن تُنسى.
ووثقت منظمات محلية 5 حالات اغتصاب مؤكدة لفتيات وقعت أثناء الهجوم، من بينها فتاتان في سن المراهقة.
وأكد ناشطون أن الناجيات بحاجة عاجلة إلى علاج طبي ودعم نفسي، في ظل غياب أي استجابة طبية أو أمنية.
تكرار الهجمات
وفي ذات الشهر، هاجمت قوات الدعم السريع قرية (عبد المحمود) غرب مدينة (الدبيبات)، وقامت بعمليات نهب واسعة، شملت مواشي، محاصيل زراعية، ومقتنيات شخصية.
وقُتل خلال الهجوم 3 مدنيين، فيما جُرح آخرون، كما هاجمت القوات ذاتها قرية (أم قلينه)، وأطلقت الرصاص العشوائي على السكان، مما أدى إلى إصابة 3 مدنيين بجروح متفاوتة، وتكررت عمليات النهب على النمط ذاته.
قصف جوي
في المقابل، شن الجيش السوداني عبر طائرات مسيّرة قصفاً مكثفاً على مدينة (الدبيبات) في ذات الشهر، استهدف سوق البنزين ومواقع أخرى قرب الأسواق والمنازل السكنية.
وأدى القصف إلى مقتل 3 مدنيين في اليوم الأول، و5 في اليوم الثاني، إلى جانب إصابة العشرات واحتراق سيارات ومبان.
وذكر شهود عيان أن أعمدة الدخان غطت سماء المدينة، بينما هرعت الأسر للهرب وسط فوضى عارمة.
وقال أحد الكوادر الطبية، يعمل في مستشفى المدنية، إن المستشفى استقبلت أكثر من 30 جريحاً في أقل من ساعة.. الإصابات كانت حرجة، معظمها ناجم عن شظايا وحرائق. بين الضحايا أطفال ونساء كانوا ببساطة يمرون قرب السوق لحظة الضربة.”
مطالبات بالعدالة
في وقت لا يزال فيه الإعلام المحلي والدولي يواجه صعوبات في تغطية ما يجري، دعت منظمات حقوقية إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة لتوثيق الانتهاكات، كما طالبت المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على أطراف النزاع لوقف استهداف المدنيين.
وقال مسؤول في منظمة حقوقية محلية إن “ما يحدث في الدبيبات هو نسخة مكررة من المآسي التي تجري في مدن الجنينة والفاشر ونيالا، لكن هذه المرة بلا عدسات للتصوير، في صمت مطبق.. لا يمكن السماح باستمرار جرائم الحرب دون محاسبة.
وأضاف: تبدو مدينة الدبيبات اليوم تحت الحصار، ليس من جهة واحدة، بل من جيشين يتنازعان الأرض على حساب السكان. وفي غياب الحماية والعدالة، يتواصل النزيف الإنساني دون أفق، وتبقى الأصوات التي تنادي بوقف العنف والقصاص للضحايا عالية، في مواجهة رصاص لا يميّز بين عسكري ومدني، بين رجل وامرأة، أو بين طفل وشيخ.. لقد بات وقف الحرب أكثر إلحاحا.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد “منصة مشاوير” لعكس المعاناة القاسية التي يواجهها السكان في مدينة الدبيبات وضواحيها جراء الحرب المندلعة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
dabangasudan.org