خبر ⁄تقني

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية ترسخ بنية الذكاء الاصطناعي

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية ترسخ بنية الذكاء الاصطناعي

يمهد التحول الرقمي الذي تخوضه المملكة العربية السعودية الطريق كي تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. ومن بين أبرز التطورات في هذا التحول، تأتي الشراكة بين شركة الذكاء الاصطناعي السعودية «هيوماين» وشركة الرقائق الأميركية العملاقة «إنفيديا» التي أعلن عنها خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة هذا الأسبوع، وتشمل توريد 18.000 شريحة من رقائق «GB200 Grace Blackwell» المتقدمة من «إنفيديا» بهدف تشغيل مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميغاواط.

الأضخم عالمياً

يُتوقع أن يصبح مركز البيانات هذا، الذي صُمم ليكون من الأكبر من نوعه على مستوى العالم، حجر الزاوية في قدرات المملكة التدريبية والتنفيذية في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يُعد محطة بارزة في التعاون التقني بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة.

وقال جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ«إنفيديا»، إن الذكاء الاصطناعي مثل الكهرباء والإنترنت، حيث بات بنية تحتية أساسية لكل دولة. وأضاف: «نحن فخورون بالشراكة مع السعودية لبناء العمود الفقري الرقمي لتحولها في مجال الذكاء الاصطناعي». وقد جاءت هذه الخطوة ضمن حزمة أوسع من الاستثمارات بين السعودية والولايات المتحدة، حيث التزمت المملكة بضخ أكثر من 600 مليار دولار في استثمارات تشمل الدفاع والفضاء والذكاء الاصطناعي.

تدمج «رؤية 2030» بين بناء القدرات التقنية والبشرية من خلال استثمارات ضخمة وشراكات دولية وبرامج تدريب وطنية (شاترستوك)

الطفرة في مراكز البيانات

تعتمد طموحات المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على عنصر جوهري وهو بنية الحوسبة التي تتمثل بمراكز البيانات.

تقول شركة الاستشارات «بلاكريدج ريسيرتش» (Blackridge Research) إنه بحلول مطلع عام 2025، أصبح في المملكة 33 مركز بيانات نشطاً، إضافة إلى 42 مركزاً قيد التطوير، ليبلغ الإجمالي 75 مشروعاً موزعاً على مدن رئيسية مثل الرياض وجدة والدمام، بالإضافة إلى مناطق مستقبلية مثل «نيوم». من بين المشاريع في هذا المجال، مركز بيانات «داتا فولت» (DataVolt) في «نيوم» باستثمار قدره 5 مليارات دولار، حيث من المتوقع أن يوفر 1.5 غيغاواط من القدرة الحوسبية المخصصة للذكاء الاصطناعي. ويتميّز المشروع بالاستدامة، حيث يشمل تبريداً سائلاً واستخدام الطاقة المتجددة والتوسّع المعياري.

في الوقت ذاته، أعلنت شركة «كوانتوم سويتش تماسوك» Quantum Switch Tamasuk (QST) عن خطة لبناء ستة مراكز بيانات فائقة السعة عبر المملكة، بقدرة إجمالية تبلغ 300 ميغاواط، موجهة إلى خدمات السحابة السيادية والتطبيقات المؤسسية.

شريحة إلكترونية من إنتاج «إنفيديا» في معرض بمدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

بنية تحتية مخصصة للذكاء الاصطناعي

يتسابق عمالقة الحوسبة السحابية العالميون لترسيخ وجودهم داخل المملكة. فقد أعلنت شركة «تنسنت كلاود» عن أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط من خلال السعودية، مع منطقتي «توفر». كما حصلت كل من «أوراكل» و«غوغل كلاود» و«مايكروسوفت أزور» على تراخيص للعمل داخل المملكة، في ظل الطلب المتزايد على البنية التحتية المهيأة للذكاء الاصطناعي.

وقد وضّحت الجهات التنظيمية السعودية، وعلى رأسها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، أن توطين البيانات السيادية أمر غير قابل للتفاوض. إذ يجب تنفيذ المهام المتعلقة بالحكومة والدفاع على بنية تحتية محلية وآمنة، مما يرفع الطلب على السعة الحوسبية داخل المملكة. لكن الأمر لا يتعلق بالحجم فقط، بل بجودة البنية التحتية نفسها، حيث يتم إنشاء مراكز بيانات حديثة مخصصة لحوسبة الذكاء الاصطناعي عالية الكثافة باستخدام وحدات معالجة الرسوميات (GPU) الخاصة لتدريب النماذج الكبرى (LLMs)، والتوأمة الرقمية، وتطبيقات المدن الذكية.

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» جينسن هوانغ يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي (رويترز)

شراكات استراتيجية وبناء قدرات وطنية

إلى جانب البنية التحتية، تعقد المملكة شراكات استراتيجية متعددة لضمان أن يكون دفعها نحو الذكاء الاصطناعي مستداماً وذا سيادة. فمشروع مركز البيانات بين «هيوماين» و«إنفيديا» ليس سوى جزء من الصورة. إذ تعمل «سدايا» مع «إنفيديا» على نشر 5000 شريحة «بلاك ويل» (Blackwell) لإنشاء مصنع ذكاء اصطناعي سيادي، يهدف إلى تدريب آلاف المطورين المحليين، ودعم الخدمات الحكومية الذكية في قطاعات مثل الصحة والتنقل والطاقة.

في الوقت نفسه، تساهم شركات مثل «UiPath» و«AWS» و«IBM» في برامج تنمية المهارات، تشمل تدريب الموظفين الحكوميين على الأتمتة، ومعسكرات تدريب مطوري الذكاء الاصطناعي، وتمكين الشركات الناشئة مما يضمن توازناً بين البنية التحتية والقدرات البشرية المحلية القادرة على تشغيلها وتطويرها.

مخطط رقمي بتأثيرات عالمية

تندمج هذه المبادرات بسلاسة ضمن إطار «رؤية 2030»، وهي الاستراتيجية الوطنية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصاد قائم على الابتكار. حتى الآن، تجاوزت الاستثمارات في مراكز البيانات والبنية الرقمية في المملكة 21 مليار دولار، مع توقّع أن يتجاوز الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وحده 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقديرات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.

ولا يتمثل الهدف فقط في نشر الذكاء الاصطناعي، بل في امتلاكه وتطويره وتصديره. ومع بدء تشغيل البنية التحتية، تستعد السعودية لتكون عاصمة الحوسبة والسحابة في الشرق الأوسط، موفرة قدرات آمنة وسيادية ومخصصة للذكاء الاصطناعي لا تخدم فقط تحولها الوطني بل الأسواق الإقليمية والأفريقية كذلك.

aawsat.com