خبر ⁄سياسي

الإسماعيلية نشأتها وطوائفها وأماكن انتشارها

الإسماعيلية نشأتها وطوائفها وأماكن انتشارها

الإسماعيلية هي الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الاثني عشرية والأكثر انتشارا بعدها، إذ تنتشر في أكثر من 35 دولة، ويُقدّر أتباعها بحوالي 12 مليونا، يتركز معظمهم في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وإيران والصين، وشرق أفريقيا (كينيا وزنجبار) وسوريا واليمن، ولهم وجود في أوروبا والقارة الأميركية.

مرّت الإسماعيلية على مدى تاريخها بأحداث وتحولات كبرى أثّرت في مسارها الفكري وبنيتها الاجتماعية وعملها الأيديولوجي والسياسي، فظهرت منها تفرعات كثيرة.

ويتفق الإسماعيليون مع الشيعة الاثني عشرية في معتقد الإمامة (والوصية وصفات الأئمة) لكنهم يختلفون معهم في تسمية الأئمة بعد الإمام السادس، ويخالفون السنة والشيعة في اعتقادهم أن القرآن يحتمل "تأويلا باطنيا غير معناه الظاهري"، ولهذا يطلق عليهم "الباطنية".

التسمية

وسميت الطائفة بالإسماعيلية لأنها قالت بإمامة إسماعيل، الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق، فنسبت إليه.

ويذكر الشهرستاني أن "أشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا. ولهم ألقاب كثيرة -سوى هذه- على لسان قوم: فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية، وبخراسان التعليمية والملحدة، وهم يقولون: نحن إسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم".

نشأة الإسماعيلية

ولدت الإسماعيلية من رحم حركة التشيع الإمامي عام 765 ميلادية (148 هـ) بعد وفاة جعفر الصادق الإمام السادس للشيعة.

واتفقت الإسماعيلية والشيعة الاثنا عشرية على تسلسل الأئمة حتى الصادق، ثم اختلفتا في من له الأحقية بخلافته من أبنائه، فقال الاثنا عشرية بإمامة موسى الكاظم، بينما قال الإسماعيلية بإمامة إسماعيل.

إعلان

ويذكر الاثنا عشرية روايتين لسبب تحويل الإمامة إلى موسى الكاظم:

  • الأولى: أن الإمام السادس حوّل الإمامة من ابنه إسماعيل إلى موسى بعد أن رأى أن ابنه البكر لا يصلح ليخلفه لسلوكه غير الأخلاقي، منها إدمانه للخمر وولعه بالنساء، أو لتأثره ببعض المذاهب المنحرفة والمتطرفة ومنها الخطابية.
  • الثانية: أن إسماعيل توفي في حياة أبيه، فنقل الأب الإمامة إلى ابنه الآخر موسى. وينفي الإسماعيلية ذلك قائلين إن إسماعيل لم يمت، وإنما أشاع أبوه موته ووثقه كتابة، "تقية وخوفا على ابنه من العباسيين الذين كانوا يلاحقون آل البيت".

تاريخ طوائف الإسماعيلية

يذكر الدكتور سعد رستم في كتابه "الفرق والمذاهب" أن الإسماعيلية ليست فرقة واحدة، وشهدت منذ نشأتها انشقاقات متتابعة أخرجت طوائف وجماعات عدة، بعضها انفصل عنها تماما، ومنها من بقي على الأسس العقدية الإسماعيلية مع اختلافات.

  • القرامطة

وتفرّعت الإسماعيلية إلى فرق عدة عبر التاريخ والجغرافيا، من أبرزها الإسماعيلية في اليمن، التي تنتسب إلى الحسن بن حوشب (ت 302هـ)، إضافة إلى القرامطة في البحرين الذين يعودون إلى حمدان قرمط.

ظلّ الأئمة الإسماعيليون "متسترين" قرونا ولا يتواصلون مع أتباعهم إلا عبر "الدعاة"، حتى أعلن عبيد الله المهدي نفسه إماما عام 899 ميلادية، وأمر بنشر دعوته علنا. لكن إسماعيليي العراق والبحرين وخراسان رفضوا الاعتراف به، بقيادة حمدان قرمط، وأسسوا دولتهم في البحرين عام 899 ميلادية، وعرفوا لاحقا بالقرامطة.

عرف القرامطة بآرائهم الدينية الخاصة، منها تحليلهم الخمر، وتغييرهم القبلة إلى بيت المقدس، وإنكارهم بعض الفرائض الإسلامية. واشتهروا بسرقتهم الحجر الأسود عندما هاجموا المسجد الحرام عام 930 ميلادية، وقتلوا الحجاج. واستمرت حركتهم حتى سقطت نهائيا عام 1073 ميلادية على يد العباسيين وحلفائهم.

إعلان
  • من الإسماعيلية المستعلية إلى البهرة

وبرزت الدولة الفاطمية (العبيديون) في المغرب، نسبة إلى عبيد الله المهدي (ت 298هـ)، والإسماعيلية المستعلية التي ارتبطت بالخليفة المستعلي في مصر (ت 495هـ)، ويُطلق عليها أيضا "الغربية" وفقا للمؤرخ كامل حسين، وانشق المستعلية إلى حافظية وطيبية بعد اغتيال منصور الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله عام 1130م، فاخلتفوا على تحديد خليفته.

واعتقد الطيبية أن الطيب أبا القاسم بن منصور هو الإمام الشرعي، وأعلنوا الولاء له، أما الحافظية فبايعوا الحافظ لدين الله، ابن عم الآمر، باعتباره الإمام.

آمن الطيبيون بغيبة الإمام الطيب أبي القاسم (اختفاؤه عن العامة)، معتبرين أنه الإمام الـ21 والأخير، وخضعت الجماعة المستعلية لقيادة سلسلة من الدعاة المقيمين في اليمن، ثم تحولوا إلى الهند في العام 1539م واشتهروا هناك باسم "البُهرة"، وعُرفوا بأنهم جماعة تجارية ذات أصول هندية هندوسية تحولت إلى الإسماعيلية.

الزعيم الروحي للبهرة الداودية في الهند مفضل سيف الدين وسط أتباعه في مدينة الكويت عام 2022 (الفرنسية)

حافظ البهرة على ثقافة ذات نزعة طقوسية تقليدية، وعلى تماسكهم لكونهم جماعة اتصفت بالفكر التحديثي. وشهد البهرة حالة من الصعود في القرن الـ19 بفضل الحماية البريطانية لهم، وانتقل مقر قيادتهم إلى مومباي، واندمجوا بعد الاستقلال مع المسلمين الهنود، وآثروا البقاء في الهند على الهجرة إلى باكستان.

ومع مرور الزمن، انقسم البهرة إلى 3 فرق رئيسية بسبب الخلاف حول هوية "الداعي المطلق"، وهي: البهرة الداودية (ظهرت في الهند واليمن والخليج وشرق أفريقيا) والبهرة السليمانية (اليمن والسعودية) والبهرة العلوية (الهند).

اتبعت طائفة البهرة السليمانيين أو المكارمة خطا مختلفا من الدعاة بدءا من الداعية الـ27 في سلسلة دعاتهم عام 1597م، أما البهرة العلويون فاتبعوا خطا مستقلا من الدعاة بدءا بالداعية الـ29 عام 1631م، ومقر قيادتهم الرئيسي في مدينة فادودارا الهندية.

إعلان
  • من الحشاشين إلى الآغاخانية

وفي اليمن، ظهرت الفرقة الصليحية نسبة إلى علي بن محمد الصليحي (ت 459هـ)، أما في إيران، فبرزت الإسماعيلية النزارية -فرعا عن الإسماعيلية في الدولة الفاطمية- وعرفت بـ"الحشاشين"، ومنها انحدرت لاحقا الإسماعيلية الأغاخانية التي انتشرت في فارس وأماكن أخرى.

وظهرت جماعة الحشاشين عقب انشقاق مؤسسها حسن الصباح عن الفاطميين لما تولى الخلافة أحمد الملقب بالمستعلي بالله، ودعا إلى خلافة نزار بن معد علي العبيدي، الذي أوصى الخليفة المستنصر بالله الفاطمي بتوليته من بعده، وأعلن قيام "الدولة النزارية الشرقية بالشام وفارس وبلاد الشرق".

وكانت الجماعة تتحصن بالقلاع وتنتهج الاغتيال وسيلة للقضاء على خصومها، وسببت رعبا للفاطميين بالقاهرة والعباسيين في بغداد والسلاجقة في إيران إضافة إلى الصليبيين.

وقد كانت نهاية "الحشاشين" على يد المغول، وكان حينها حكم الدين خورشاه زعيم الطائفة، وأعلن استسلامه لهولاكو الذي كان يتوسع في المنطقة، وسلمه عددا من القلاع، لكن المغول غدروا به وقتلوه على حين غرة، فتشتت أتباعه، وانتشروا في إيران وسوريا ولبنان واليمن ونجران والهند.

وظهر إمام الآغاخانية حسن علي شاه حاكم إقليم كرمان في إيران وحمل لقب "الأغا خان الأول"، وحاول إشعال ثورة ضد الشاه القاجاري لكنه فشل، فهرب إلى الهند، وهناك اعترف به الإنجليز إماما للطائفة، فعُرف بمؤسس "الأسرة الآغاخانية"، والإمام الـ46 في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في نظر الطائفة الآغاخانية.

كما أشار الباحث سعد رستم إلى وجود فرقة تُعرف بـ"الخلفية"، التي تنسب إلى خلف بن أحمد القاشاني في فارس أيضا.

وانبثقت عقائد طوائف أخرى من الإسماعيلية منها العقيدة الدرزية التي تطورت في الأصل من الإسماعيلية، لكن الدروز لا يعرفون أنفسهم كمسلمين، ويدعي بعضهم ذلك لأسباب سياسية بحتة، كشكل من أشكال التقية، حفاظا على دينهم وسلامتهم، وتجنبا لأي خلاف مع المسلمين.

إعلان

أماكن انتشارهم

  • سوريا

قاد أئمة الإسماعيليين سرا من منطقة السلمية بمحافظة حماة في القرن التاسع أنشطة الأتباع في المناطق الأخرى، وحتى مع وصول الفاطميين للحكم في مصر ظلّت سوريا مركز نشاط مهما لهم، حتى استلام السلاجقة الحكم واضطراب سوريا وتقسيمها سياسيا.

انتقل السلاجقة حينئذ إلى حلب، ومن ثم أجبروا على الخروج منها إلى دمشق، قبل أن يُجبروا على الخروج منها كذلك، مما اضطرهم إلى تأمين حياتهم في شبكة من المعاقل الآمنة والقلاع في مثلث ريف حمص وريف حماة والساحل، وأصبحت القدموس ومصياف مراكزهم المهمة في تلك الفترة.

ساد بعض التوتر بين الأيوبيين والإسماعيليين، لكنه انتهى بصلح بين صلاح الدين الأيوبي وسنان بن سلمان. وبعد هجمات المغول على إيران وبعدها على سوريا التجأ الإسماعيليون للظاهر بيبرس، الذي أصبحوا مخلصين له، ومن بعده للدولة العثمانية وحتى اليوم.

ويمتاز الإسماعيليون بنشاط فكري وعلمي مميز، امتدادا لاهتمام الفاطميين بالمكتبات والجامعات، كما يملكون قدرة إدارية عالية لمناطق نفوذهم التي يسيطرون عليها عبر القلاع الموجودة في الجبال، والتي يصل عددها في سوريا إلى 60 قلعة تقريبا.

ويقول ديك دوز أستاذ اللغة والثقافة العربية في جامعة نيجميجن في هولندا إن حياة الإسماعيليين السوريين في التاريخ الحديث تغيرت بهجرتهم من الجبال المطلة على شرق المتوسط إلى السهول الداخلية في منتصف القرن الـ19 بعد سلسلة من الصراعات الطويلة مع العلويين، ثم باعترافهم بالآغاخان الثالث إماما لهم، وصاروا يمثلون ما نسبته 1% من السكان في سوريا.

وقد اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وكان ذلك منسجما مع توجهات الآغاخان الثالث. وفي ظل الآغاخان الرابع أُعيد تنظيم الجماعة الإسماعيلية حسب الدستور الإسماعيلي (1986)؛ وأصبح هناك مجلس وطني وهيئة للطريقة والثقافة الدينية الإسماعيلية.

القرامطة اشتهروا بسرقتهم الحجر الأسود عندما هاجموا المسجد الحرام عام 930 ميلادية وقتلوا الحجاج (مواقع التواصل)
  • آسيا الوسطى
إعلان

يمتد الإسماعيليون في جبال بامير وهندوكوش، التي تشمل 6 بلدان هي أفغانستان والصين والهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، ويقيمون بشكل أساسي في بدخشان المقسمة بين أفغانستان وطاجيكستان، ولهم وجود في ولاية بغلان الأفغانية.

انتشرت الدعوة الإسماعيلية في آسيا الوسطى (خراسان وما وراء النهر) منذ نهاية القرن الـ9 الميلادي، وكان للإسماعيليين حضور مؤثر في البلاط الساماني.

أثّر التنافس والصراع الاستعماري في المنطقة بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية أواخر القرن الـ19 ميلادي، على الاهتمام بدراسة المنطقة (الحملات الاستشراقية) خاصة لعرقية البامير (منها شيعة اثني عشرية وإسماعيلية) لفهم خريطة القوى الاجتماعية والدينية في المنطقة، ومعرفة الجماعات التي يمكن كسب ولائها.

وأسهم ذلك بكسب الإمبراطورية الروسية للبامير الذين انضموا لها في عام 1895، إذ رأت روسيا في الإسماعيليين الذين وفرت لهم الحماية وبعض الامتيازات، حلفاء محتملين ضد الأغلبية السنية، التي كانت تميل إلى معارضة النفوذ الروسي.

أدى تقسيم الدول إلى تقسيم مناطق الإسماعيليين، مما غيّر في البنية الاجتماعية والسياسية للإسماعيليين؛ ففي الحقبة الشيوعية أُعيد تنظيم المناطق والسكان في مجالس وإدارات مختلفة اختلافا كبيرا عن بنية القيادة والإدارة الإسماعيلية على مدى القرون السابقة، وأُعيد أيضا بناء القيادة الدينية التي اختارت سلطة دينية موالية للسوفيات.

وكان للموقف الشيوعي العدائي من الدين دور في ملاحقة شيوخ الإسماعيليين ونفيهم، بل والقتل أحيانا، كما حدث للشيخ سيد يوسف عليشو، الذي قُتل أمام أتباعه المريدين، ولكن القيادات التقليدية للجماعات الإسماعيلية استعادت دورها في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وشاركت بفعالية في التطورات السياسية التي أفضت إلى استقلال طاجكستان.

إعلان

وفي أفغانستان كان الإسماعيليون في بدخشان الأفغانية يضطهدون، ولكن تحسنت أحوالهم في الحقبة الشيوعية (عكس ما حدث لهم في الشيوعية السوفياتية)، وزادت مشاركتهم السياسية في الجهاز البيروقراطي للدولة، ثم استعادت الإسماعيلية حضورا قويا منذ أوائل التسعينيات، وأقامت شبكة الآغاخان سلسلة من المشروعات التعليمية والاجتماعية، وبدأت تتشكل من جديد فرص لإحياء الهوية الدينية الإسماعيلية في أفغانستان.

  • الصين

يشكّل الإسماعيليون في مقاطعة شنغيانغ الصينية امتدادا لبدخشان وطاجيكستان، وقد بدأت الإسماعيلية بالانتشار هناك على يد الشاعر الإسماعيلي ناصر خسرو في القرن الـ11 الميلادي، وهم يواجهون تحديات عدة، فما زالت الثقافة الإسماعيلية في الصين شفاهية غير مكتوبة.

وتقيّد السلطات الصينية الحريات والطقوس الدينية، وتُعيّن رجال الدين وتوظفهم وتمنحهم إجازات مزاولة عملهم، ولكن تحسنت الحال بدءا من ثمانينيات القرن العشرين، إذ أصلحت ورممت أماكن العبادة التي تضررت وأُعيد استخدامها لغاياتها الأصلية.

تُعتبر الجماعة الإسماعيلية في الصين أقلية دينية وإثنية ولغوية وعِرقية، ويربطهم التاريخ بسكان المنطقة الإيرانيين، ويرتبط موروثهم الثقافي بالإسماعيليين الطاجيك والباميريين، وتشكّل السياسة الدينية الرسمية في الصين تحديا للإسماعيليين، ويحتاجون إلى المواءمة والجمع بين مواطنتهم الصينية والحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية.

  • جنوب آسيا

بدأت الدعوة الإسماعيلية بالانتشار ف