خبر ⁄سياسي

أسرار معركة العوينات قصة الصراع الخفي على الحدود

أسرار معركة العوينات قصة الصراع الخفي على الحدود

متابعات- نبض السودان

شهدت منطقة العوينات الحدودية اشتباكات مسلحة بين القوات المشتركة السودانية وكتيبة ليبية تُعرف بـ”لواء سبل السلام”، وأسفرت المواجهات عن مقتل جنديين من الجانب السوداني وأسر عنصر واحد، مقابل وقوع ثلاثة أسرى من الكتيبة الليبية، وفق ما أعلنه قائد الكتيبة الشيخ هاشم عبدالرحمن، الذي وصف الحادث بأنه “سوء تفاهم” وأشار إلى مساعٍ جارية لتبادل الأسرى ووضع آليات لتفادي تكرار ما حدث

وبالرغم من أن التغطية الإعلامية الليبية أولت الحدث اهتمامًا واسعًا، فإن النقاش في السودان بقي محدودًا، واقتصر على جوانب تتعلق بـ”تدمير عتاد”، بينما تتكشف خلفيات أعمق تشير إلى وجود صراع خفي يتجاوز مجرد مواجهة عسكرية عابرة

الدعم الليبي للمليشيا المتمردة… من السلاح إلى الوقود

في أغسطس 2024، نشرت منصة “القدرات العسكرية السودانية” تقريرًا يسلط الضوء على دعم أطراف ليبية، من بينها كتيبة سبل السلام، لمليشيا الدعم السريع المتمردة. وأكد التقرير أن الكتيبة كانت تسهّل تمرير الوقود والمركبات وزيوت محولات الكهرباء، بل وتمهد الطرق الآمنة لعبور المرتزقة الأجانب، ما يكشف عن دعم لوجستي ممنهج

وتشير معلومات دقيقة إلى أن هذه الكتيبة تستعين بمرتزقة من قبائل التبو الليبية، إضافة إلى عناصر مرتبطة بجماعات إرهابية في شمال وغرب إفريقيا، مما يضع سبل السلام في قلب شبكة معقدة من الإرهاب والارتزاق الإقليمي

تحقيقات دولية تفضح تورط الكتيبة الليبية

في يناير 2025، بثّت قناة “فرانس 24” تحقيقًا صحفيًا خطيرًا كشف تورط قوات خليفة حفتر، من خلال كتيبة سبل السلام، في تهريب المرتزقة والسلاح إلى السودان دعمًا لقوات الدعم السريع، رغم الحظر الأوروبي المفروض على تصدير الأسلحة

ووفق التحقيق، نُقلت شحنة من قذائف الهاون البلغارية عبر الإمارات إلى شرق ليبيا، ثم تولت كتيبة سبل السلام تأمين طريقها البري إلى السودان عبر الصحراء. كما أُشير إلى أن مرتزقة كولومبيين، نُقلوا من أبوظبي إلى بنغازي، تلقوا تدريبًا على يد قوات الدعم السريع قبل توجيههم إلى السودان، في مؤشر على تنسيق عابر للحدود

علاقات سرية وتحالفات سوداء

أكد باحثون دوليون وجود تحالف غير معلن بين قوات حفتر وقوات الدعم السريع، تعود جذوره إلى الحرب الليبية، حيث يُعتقد أن “الدعم السريع” ساندت حفتر في وقت سابق، فيما تلقّت لاحقًا ذخائر وأسلحة ومنتجات نفطية منه. وتشير هذه العلاقات إلى تشابك أمني معقّد تقف وراءه مصالح استراتيجية وأجندات خفية

رغم أن تأسيس كتيبة سبل السلام جاء بمبادرة من “الجماعات السلفية”، فإنها أصبحت تحت إشراف مباشر من القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة صدام خليفة حفتر، مما يمنحها طابعًا عسكريًا رسميًا يعزز من شرعيتها محليًا، بينما تُوظف فعليًا في تنفيذ مهام سرية عابرة للحدود

من هو الشيخ هاشم عبدالرحمن؟

برز اسم الشيخ هاشم عبدالرحمن خلال مشاركته في كتيبة “ثوار ليبيا” عام 2012 بجنوب البلاد، قبل أن ينتقل إلى مهام حرس الحدود ومكافحة تهريب السلاح والمخدرات. وبعد تقاعده، عاد في 2014 إلى الميدان عبر تأسيس كتيبة سبل السلام من خلال دعم رجال أعمال، ثم لاحقًا أُلحقت الكتيبة بقوات حفتر، لتحل محل كتيبة ثوار ليبيا

ووفق تقارير استخباراتية، للشيخ هاشم علاقات وثيقة بالحركات الجهادية النشطة في غرب إفريقيا، ما يعزز فرضية ارتباط كتيبته بشبكات إرهابية عابرة للحدود تخدم مصالح إقليمية معقدة

تحركات تثير القلق الإقليمي

في مايو 2025، نشر موقع “أفريكا إنتيليجنس” تقريرًا حذّر فيه من تنامي أنشطة كتيبة سبل السلام في منطقة الكفرة والمثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان. وأشار التقرير إلى تحركات قوافل من البنزين والأسلحة نحو الحدود مع السودان، مؤكدًا أن تلك التحركات تتم في نطاق سيطرة الكتيبة، بما يوحي بوجود تنسيق عسكري واستخباراتي مع قوات الدعم السريع

أبعاد استراتيجية للسيطرة على المثلث الحدودي

تكمن أهمية منطقة العوينات والمثلث الحدودي في أنها تمثل عقدة ربط بين ثلاث دول (السودان، ليبيا، وتشاد)، وتشكل طريقًا حيويًا للإمداد بالسلاح والمرتزقة. ويُعد وصول متحرك محور الصحراء إلى هذه المنطقة إنجازًا استراتيجيًا للقوات المشتركة السودانية، إذ يؤدي إلى قطع خطوط الدعم عن الدعم السريع وإرباك التحالفات غير المعلنة بين الفاعلين الليبيين والمليشيات السودانية

حرب مركّبة بأدوات متعددة

ما يجري في العوينات يتجاوز كونه نزاعًا حدوديًا، بل هو جزء من مؤامرة أوسع تستهدف السودان عبر دعم المتمردين بوسائل عسكرية واقتصادية واستخباراتية. وقد استُخدمت في هذا الصراع أدوات الحرب الحديثة: تهريب السلاح، تجارة الوقود، المرتزقة، والتحالفات غير الرسمية

ويبدو أن الأجندات الأجنبية التي تتحرك في هذا الملف أعقد وأعمق من التصورات السطحية، إذ يجري توظيف الجماعات العابرة للحدود، وشبكات تهريب متطورة، ومصالح استخباراتية تخدم أهدافاً إقليمية ودولية

ثلاث حقائق جوهرية خلف الأحداث

  1. السودان في مواجهة مؤامرة إقليمية ودولية
    ما يحدث لا يُفهم إلا في إطار مؤامرة كبرى تتداخل فيها أطراف متعددة تسعى لتفكيك السودان باستخدام أدوات غير تقليدية
  2. أهمية السيطرة على المثلث الحدودي
    قطع الإمداد من ليبيا عبر السيطرة على المثلث الحدودي يمثل تحولًا استراتيجيًا مهمًا في مسار الحرب، إذ يكسر شريانًا حيويًا للدعم السريع
  3. الأجندة الأجنبية أكبر من مجرد مليشيا
    كل يوم يكشف تطور الأحداث عن تورط قوى دولية، وشبكات استخبارات، وتجار حروب عابرين للقارات، في سيناريو يبدو أنه أكبر بكثير من مجرد صراع داخلي

nabdsudan.net