خبـر وتحليل.. عمار العـركـي يكتب : السودان يــخلي المثلـث فهل تتحرك مصـر هـل جاء الهجـوم علـى حدود مصر الجنوبيـة عقابا علـى رفضها إغـلاق معبـر غـزة

في غضون 48 ساعة، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية بيانين لافتين، حملا في مضمونهما رسائل تتجاوز حدود السودان، لتلامس الأمن القومي المصري بوضوح، وتضع القاهرة أمام تحدٍّ غير مسبوق عند مثلث حدودها الجنوبي الغربي.
* ففي بيانها الأول الصادر يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025، أعلنت القوات المسلحة أن “مليشيا آل دقلو الإرهابية مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية (كتيبة السلفية)” قد شنت هجومًا على نقاط حدودية في المثلث المشترك بين السودان ومصر وليبيا، بغرض السيطرة عليه. لم يكن هذا الإعلان مجرد خبر عسكري، بل حمل دلالة سياسية ثقيلة.بأن مصر حاضرة بالاسم ، وبالموقع، وبالرسالة.
* وفي البيان الثاني الصادر اليوم الأربعاء 11 يونيو، أعلنت القوات المسلحة عن إخلاء قواتها لمنطقة المثلث الحدودية، وهو إجراء قد يُفهم عسكريًا باعتباره إعادة انتشار أو تحصين، لكن من زاوية استراتيجية، يبدو وكأنه تفويض صريح لمصر بأن تتولى زمام المبادرة في حماية خاصرتها الجنوبية، أو – في قراءة مغايرة – توريط محسوب يفرض على القاهرة خيار التحرك، أو تحمل العواقب.
*هـل مصـر هـي المقصـودة؟*
* السياق السياسي والإقليمي يشير بوضوح إلى أن مصر لم تُذكر عبثاً، وأن إخلاء المثلث الحدودي ليس انسحاباً بقدر ما هو إحراجٌ وتوريطٌ في آنٍ واحد. فاختيار توقيت هذا الهجوم المدعوم من خليفة حفتر، أحد أبرز حلفاء القاهرة في ليبيا، لا يمكن عزله عن المسار الدبلوماسي الحرج الذي تخوضه مصر في ملف غزة، ولا عن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أبوظبي الأسبوع الماضي، والتي التقى فيها بمحمد بن زايد.
*هل ضغطـت الإمـارات علـى مصـر لإغلاق معبـر رفـح؟*
* مصادر دبلوماسية وإقليمية كانت قد لمّحت إلى وجود ضغوط إماراتية متصاعدة على مصر لوقف تدفق الإغاثة إلى غزة عبر معبر رفح، بالتزامن مع محاولات إماراتية لفرض تهدئة تخدم موقف إسرائيل دون المساس بمصالحها في إعادة ترتيب غزة ما بعد الحرب. ويُرجح أن يكون لقاء السيسي–بن زايد قد تضمن طلبًا صريحًا بإغلاق المعبر أو على الأقل تأجيل فتحه الكامل لدخول الإغاثة المتحركة.
* وفي حال كانت القاهرة قد امتنعت عن تنفيذ هذا الطلب أو تحفّظت عليه، فإن ضرب الحدود المصرية من الجنوب، عبر أدوات إماراتية (المليشيا ، حفتر)، قد يكون ردًا غاضبًا ورسالة مباشرة: “إذا لم تلتزموا معنا شرقًا (غزة)، فسنزعجكم جنوبًا (المثلث)” ، ولا ننسي تزامن التصعييد الخطابي اللفظي بين المتمرد “حميدتي” و” مصر “.
*_هل احتوت الإمارات حفتر واستعملته ضد مصر؟_*
* ربما تكون هذه الحادثة أول اختبار علني لانقلاب تموضع “خليفة حفتر” في الإقليم. فالرجل الذي طالما اعتبرته القاهرة ذراعها العسكرية في غرب ليبيا، بات اليوم – على ما يبدو – أقرب إلى التموضع تحت المظلة الإماراتية بالكامل، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح مصر وحدودها.
* وإذا ثبت ذلك، فإن الهجوم على المثلث الحدودي السوداني–الليبي–المصري هو رسالة مزدوجة: *لمصر:* حفتر لم يعد تحت سيطرتكم، وقد نستخدمه حتى لإزعاجكم. *للسودان* : وحدكم في الميدان، فلا تنتظروا موقفًا مصريًا حاسمًا ما لم تتغير التوازنات.
*_ماذا بعد… وهل تتحرك مصر؟_*
* تجد القاهرة نفسها الآن في موقف لا تُحسد عليه: فمن جهة، الجيش السوداني أشار إليها بالاسم، وأخلى لها الأرض، وكأنما يدعوها للتحرك.
* ومن جهة أخرى، الإمارات – الحليف الاقتصادي الأقوى – ترسل لها رسائل ضغط قاسية، سواء عبر حفتر، أو من خلال استهداف علاقاتها الحدودية.
* وبين الطرفين، تقف غزة الجريحة، ومعبر رفح الذي يوشك أن يتحول من ممر إنساني إلى ساحة اختبار قاسية للقرار السيادي المصري.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
* لم يعد السؤال اليوم عن نوايا المليشيا أو حفتر فقط… بل عن مدى قدرة مصر على المناورة بين شراكتها مع الإمارات، والتزاماتها القومية في السودان وغزة معًا.
* والأهم: هل تدرك القاهرة أن الحريق قد أُشعل في خاصرتها الجنوبية، قبل أن يُطفأ في خاصرتها الشرقية؟
* أم أن السكوت في المثلث سيكلفها غداً أثمانًا مضاعفة في معبر رفح؟
تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار
azzapress.com