خبر ⁄سياسي

حرب المسيرات تعمق أزمات المياه والكهرباء في السودان

حرب المسيرات تعمق أزمات المياه والكهرباء في السودان

 

البساتين المزروعة بالبرتقال والنخيل والمانجو بالشمالية تواجه خطر الجفاف

كمبالا ـــ التغيير: تقرير

في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمال السودان، تحوّلت حياة السكان إلى صراع مرير لتأمين مياه الشرب. تقف عشرات الأسر في طوابير لساعات طويلة في انتظار صهاريج المياه «التناكر»، التي بلغ سعر الواحد منها 120 ألف جنيه، بينما ارتفع سعر الجركانة «20 لتراً» إلى 2000 جنيه.

بينما تتصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة على البنية التحتية الحيوية في السودان، تتفاقم معاناة ملايين المواطنين مع انقطاع الكهرباء وتدهور خدمات المياه. وقد أدّت الضربات التي استهدفت محطات ومحولات الكهرباء إلى شلل واسع في الشبكة القومية، ما أثّر بشكل مباشر على تشغيل آبار المياه وصهاريج الضخ في مدن وقرى عدة. وترك المواطنين في مواجهة تحديات يومية للحصول على المياه والخدمات الأساسية..

صراع يومي من أجل الماء

يقول عمر جاد الله إبراهيم، من سكان حي الثورة، بمدينة عطبرة لــ «التغيير» إن الأزمة بلغت حداً غير مسبوق، إذ يقضي بعض السكان أسبوعًا كاملاً دون نقطة ماء، وأضاف: “آخر مرة وصلتني المياه كانت أول أيام عيد الفطر، ومنذ ذلك الحين لم أرى نقطة واحدة. نضطر إلى شراء البرميل بـ 10 آلاف جنيه أو التوجه إلى النيل لشرائه بـ 3 إلى 5 آلاف”.

وأوضح أن شبكة المياه تعاني من مشاكل في التصميم والتنفيذ، مضيفًا: “المواسير مدفونة بشكل سطحي، وبعض الآبار حُفرت في أماكن مرتفعة لا تصل منها المياه إلى المناطق المنخفضة، والعكس أيضًا. في حيّنا المرتفع، لا يمكن أن تصلنا المياه من بئر تقع في منطقة منخفضة،مما يجعل سحب المياه منها إلى الأعلى مستحيلاً”.
وأشار إلى أن المواطنين يعتمدون على التناكر التي يتم شراؤها من التبرعات، وقال: “بعد أن كتبت منشورًا على صفحتي، تبرع فاعل خير بمبلغ 120 ألف جنيه، اشترينا به تنكرًا يحمل 55 برميلاً، لكنه لم يكفِ لتغطية حاجات الناس. الجمعة الماضية أيضًا اشترينا تنكرًا آخر. نوزّع ما استطعنا، فهناك من نمنحه برميلين أو ثلاثة تكفيه حتى الجمعة التالية، لكننا لا نستطيع تغطية الجميع”.

 

أزمة المياه ترافقت مع ارتفاع في أسعار الثلج حيث وصل سعر اللوح الواحد ما بين 25,000 و30,000 جنيه

 

وأكد عمر أن الأعباء لا تتوقف عند شراء المياه فحسب، بل تشمل فواتير الكهرباء والمياه معًا: “رغم الانقطاع التام في بعض الأسابيع، تُفرض علينا فاتورة مياه تصل إلى 5 آلاف جنيه، بعد أن ندفع ثمن فاتورة الكهرباء .

كما لفت إلى أن منظمة سقيا السودان حفرت بئرًا في الحي، لكن تشغيلها تأخر بسبب متطلبات هيئة المياه: “قالوا لا يمكن تشغيل البئر إلا بعد بناء غرفة للطبلون الكهربائي بمساحة 3.5 × 3 أمتار، و حاليًا نجمع الأموال لبنائها، ونخطط لاستخدام الطاقة الشمسية لاحقًا لضمان استمرار العمل حتى في حال انقطاع الكهرباء
وبيّن أن سوء تنفيذ شبكة المياه ساهم في تعقيد الأزمة، قائلًا: “قبل بداية الخريف، تم حفر الخطوط ودفن الخراطيش بسرعة دون لحام جيد. مع أول أمطار تحولت الحفر إلى مصارف، وزاد عمقها، وبعضها أصبح بمستوى سطح الأرض، والجهات المسؤولة لم تراجع أو تصلح أي خلل”.

وتابع: “أحيانًا تجد المواسير مكسورة والمياه تغمر الشوارع، بينما لا تصل إلى المنازل، وبعض الأحياء تنقسم إلى جزء تصله المياه وآخر لا يصله، دون معرفة موضع الخلل. حي المطار يعاني أيضًا من مشاكل مشابهة، تتفاوت من منطقة لأخرى”.

واختتم عمر حديثه قائلاً: “أهل عطبرة يعانون، بينهم نازحون من الخرطوم والولايات المتأثرة بالحرب. الناس تشرب بصعوبة، تشتري، وتقطع مسافات طويلة بدرداقات أو عربات لجلب الماء. حتى المياه التي نشتريها ونوزعها بالكاد تكفي يومًا أو يومين. الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، والمواطنون بحاجة إلى معالجة جذرية تحفظ كرامتهم وحقهم في الماء”

آبار متوقفة وثلج بسعر الوقود

في مدينة كسلا، لم يكن الوضع أفضل حالًا، يقول الناشط المجتمعي محمد الحسن لــ «التغيير» : يعيش سكان العديد من أحياء كسلا أوضاعًا مأساوية نتيجة انقطاع المياه والكهرباء المستمر منذ ما يقارب الشهرين، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المياه. وذكر أن سعر “التنكر” في منطقة أروما وصل إلى ما بين 25,000 و30,000 جنيه، بينما يباع في السواقي الشمالية بـ10,000 جنيه، في ظل عجز عام في توفير الخدمات الأساسية.

تنكر المياه في منطقة أروما وصل ما بين 25,000 و30,000 جنيه، بينما يباع في السواقي الشمالية بـ10,000 جنيه

وأشار الحسن إلى أن حي الختمية، رغم احتوائه على عدد كبير من الآبار، يعاني من ضعف إمداد كهربائي يصل الى 12 ساعة، مع حرمان تام من الكهرباء خلال ساعات النهار، وهو ما يعرقل تشغيل الطرمبات.

وفي ظل هذا الوضع، شرعت لجنة طوعية من أبناء الحي في إعداد دراسة جدوى لحل الأزمة، تركزت على توفير الطاقة الشمسية لتشغيل الآبار وأحواض إعادة الضخ. وكشفت اللجنة أن الحي يعتمد على 18 بئرًا، منها 16 تعمل حاليًا و2 تحتاج إلى صيانة، وجميعها تعتمد على الكهرباء، مع وجود مولدات ديزل احتياطية تستهلك 3 براميل يوميًا.

وذكرت اللجنة أن هناك حاجة ماسة لتوفير الطاقة الشمسية لـ16 بئرًا و5 أحواض رئيسية لإعادة الضخ، بتكلفة كلية تقارب 268 مليون جنيه سوداني، استنادًا إلى عروض أسعار من أربع شركات محلية للطاقة الشمسية. وقد تم طباعة الدراسة باللغتين العربية والإنجليزية تمهيدًا لعرضها على الجهات المانحة.

وأكد الحسن أن اللجنة باشرت التواصل مع سكان الحي لتكوين “لجنة أنشطة المياه بحي الختمية”، التي ستضطلع بمهمة الإشراف على التنفيذ ومتابعة الحلول المستدامة.

من جانبه اكد حسين صالح اري، من سكان مدينة كسلا في منشور على صفحته بالفيسبوك، أن المدينة تعيش أزمة غير مسبوقة في مياه الشرب، تفاقمت بشكل حاد خلال الأيام الأخيرة، خاصة مع تزايد درجات الحرارة والانقطاع المتكرر للكهرباء، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المياه وتدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأوضح أن سعر جركانة المياه سعة 20 لتراً وصل إلى 2000 جنيه في بعض أحياء المدينة، بينما تتراوح الأسعار في مناطق أخرى بين 1000 إلى 1500 جنيه، في وقت يعتمد فيه المواطنون على عربات الكارو أو شاحنات تجارية لجلب المياه، ما يضاعف الكلفة.

وأشار إلى أن أزمة المياه ترافقت مع ارتفاع كبير في أسعار الثلج، حيث وصل سعر اللوح الواحد  ما بين 25,000 و30,000 جنيه، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانعدام وسائل التبريد.

وأضاف أن “برمجة الكهرباء الطويلة والمتكررة زادت من صعوبة تشغيل محطات الضخ، ما عمّق أزمة المياه”، مؤكدًا أن الأحياء المتأثرة لم تعد تقتصر على مناطق معزولة كما في السابق، بل شملت معظم أنحاء المدينة.

وبيّن صالح أن المياه المتوفرة حاليًا يتم جلبها من آبار خاصة بالسواقي ومناطق أخرى، دون أي معالجة أو تعقيم بالكلور، ما يفتح الباب واسعًا أمام مخاطر صحية جسيمة تهدد المواطنين، خصوصًا الأطفال وكبار السن.

 

مواطن: المياه المتوفرة حاليا يتم جلبها من آبار خاصة بالسواقي دون أي معالجة أو تعقيم بالكلور

وانتقد حسن صمت حكومة ولاية كسلا، التي لم تصدر حتى الآن أي بيان توضيحي يشرح أسباب الأزمة أو يقترح خطة واضحة لمعالجتها، رغم تفاقم الأوضاع، مضيفًا: “في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وانعدام المياه، يواجه سكان كسلا واقعًا صعبًا يهدد صحتهم وكرامتهم اليومية، في ظل أوضاع مادية متدهورة أصلاً.”

العطش يهدد الزراعة والماشية

وفي منطقة أبو حمد شمالي السودان، تسببت هجمات الطائرات المسيّرة في انقطاع تام للكهرباء استمر لأكثر من عشرة أيام، ما أدى إلى توقف ضخ المياه من النيل إلى المنازل.
قال أحد سكان منطقة أبو حمد، شمالي السودان، فضل حجب هويته، لــ «التغيير» أن الأضرار طالت ولايتي نهر النيل والشمالية، باستثناء وادي حلفا، إلى جانب عدد من المدن الأخرى، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. وأضاف: “نحن في قرى أبو حمد نعاني من العطش، فالمياه التي كانت تصلنا من نهر النيل إلى الصهاريج ومن ثم إلى المنازل عبر الموتورات، انقطعت تمامًا بسبب توقف الكهرباء.”
وأضاف أن الأزمة لا تهدد فقط مياه الشرب، بل تمتد إلى الحيوانات والزراعة، مشيرًا إلى أن “البساتين المزروعة بالبرتقال والنخيل والمانجو تواجه خطر الجفاف، والمزارعون غير قادرين على تشغيل المضخات بسبب ارتفاع أسعار الوقود التي وصلت إلى 13 ألف جنيه للجالون الواحد”.


مضيفًا: “الناس يضطرون اليوم لنقل المياه في جركانات من مزارعين يملكون أنظمة طاقة شمسية، لكن هؤلاء قلة.
وأشار إلى أن البعض اضطر للعودة إلى طرق بدائية مثل غسل الملابس في النيل، بينما يلجأ مرضى السكري إلى تخزين الأنسولين في “الزير” بدلاً من الثلاجات خوفًا من تلف الدواء.
كما أشار إلى ارتفاع كبير في أسعار الطاقة الشمسية، مايجعل اعتماد الناس عليها خيارًا صعبًا، حتى مع الضرورة الملحّة، قائلاً: “الظروف باتت أكثر تعقيدًا مع استمرار الحرب، وكل يوم تأخير يزيد من معاناة الناس”.

altaghyeer.info